في الأسابيع الأخيرة، ارتفعت أصوات، من داخل موريتانيا ومن الجاليات في الخارج، تصف بلدنا بأنه دولة فصل عنصري. إنه وصف ثقيل وخطير وغير منصف، كما يرى أمادو با، أحد الفاعلين في المجتمع المدني وشاهد على مظاهر الخلل في نظامنا. ومن دون إنكار لوجود التفاوتات، يدعو الكاتب إلى التعقّل، والتماسك، والوحدة الوطنية.
وصف ظالم وخطير
منذ فترة، يسعى بعض الموريتانيين، في الداخل والخارج، إلى وصف بلدنا بأنه دولة فصل عنصري( أبرتهايد). هذا المصطلح، رغم قسوته، ليس جديداً، فقد تكرر على ألسنة بعض الحركات السياسية منذ سنوات.
لكن يجب أن نتحلى بالشجاعة والصدق لنقولها بوضوح: موريتانيا ليست دولة فصل عنصري.
إن استعمال هذا الوصف يُعد ظلماً كبيراً وتجنيّاً فكرياً. نعم، بلدنا ليس مثالياً. هناك تفاوتات، ومحسوبية، وظلم إداري واجتماعي، ولكن اختزال هذه التعقيدات في منطقٍ عرقي أو قبلي أمر غير دقيق وخطير في الوقت نفسه.
“إنه صبّ الزيت على النار بدلاً من إخمادها.”
مسيرة مليئة بالظلم… ولكن دون كراهية
أعلم أن البعض سيتهمني بأبشع الأوصاف: “الزنجيّ الخدوم”، أو “العميل”، أو “المتساهل”، وربما “المعقّد”. لكنني أتحدث بلسان من عاش الظلم بنفسه.
أنا ابن ضابط في الدرك الوطني كرّس حياته كلها لخدمة الوطن، وتولّى قيادة فرق في معظم مناطق البلاد. درست في المدارس الموريتانية حتى جامعة نواكشوط. أنا متقن للعربية والفرنسية وأتحدث الإنجليزية بطلاقة، ولي أصدقاء في كل شرائح المجتمع.
دعمت في فترة من الفترات الرئيس محمد ولد عبد العزيز، مع بقائي متفهماً للمطالب المشروعة للمعارضة. ومع ذلك، لم أُعيّن قط، ولم أُستشر، ولم تُمنح لي فرصة الخدمة في مؤسسات الدولة. كنت دائماً أبحث عن خدمة وطني عبر المنظمات الدولية، من خلال تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة الفاعلة.
مسابقات وفرص ضائعة
شاركت في عدة مسابقات وطنية للالتحاق بالوظيفة العمومية، ولكن دون جدوى — أحياناً لأسباب مجحفة. ففي عام 2007، وبعد اجتيازي بنجاح للاختبارات الكتابية والشفوية في مسابقة مستشاري الشؤون الخارجية، تم إقصائي في اللحظة الأخيرة. وكانت المبررات ساخرة:
“إنه يعمل أصلاً في منظمة دولية، فليتابع مسيرته هناك…”
قبل ذلك بعشر سنوات، في عام 1997، وبعد حصولي بفخر على دبلوم الدراسات الجامعية العامة في العلوم الاقتصادية، تقدّمت إلى مسابقة ضباط الدرك الوطني، التي كانت آنذاك مخصصة"حصرياً" لأبناء رجال الدرك. وقد تمكن والدي، وهو ضابط أيضاً، من تقديم ملفي بفضل علاقاته في قيادة الأركان.
ومع ذلك، تم استبعادي من المسابقة بحجة أن والدي اعتُقل خلال حملة الاعتقالات في سنوات 1990-1991.
لقد نشأت وعملت في بيئة يسودها الظلم والوساطة والمحسوبية. ومع ذلك، لم أخلط يوماً بين هذه الانحرافات الإنسانية وبين نظام للفصل العنصري. فذلك سيكون إهانة للحقيقة وتهديداً للوحدة الوطنية.
من أجل موريتانيا عادلة وموحدة
نعم، يجب أن تُصلح موريتانيا نفسها. نعم، علينا أن نحارب الظلم ونضمن تكافؤ الفرص. لكن لا يجوز أبداً استغلال هذه النضالات لتأجيج الصراعات بين المكونات الوطنية.
لقد عاش الفلان، والولوف، والسونينكي، والعرب معاً على هذه الأرض، واقتسموا أفراحها وأتراحها، وتحدّياتها وآمالها. إن اللعب على وتر العرق اليوم هو لعب بالنار. وفي سياق إقليمي هشّ مثل الذي نعيشه، فإن مثل هذا السلوك قد يكون مدمّراً.
“موريتانيا بحاجة إلى ما يوحّدها، لا إلى ما يفرّقها.”
بلد الأمل… لم يكتمل بعد
موريتانيا تحتاج إلى شبابٍ واعٍ، ومثقفين شجعان، وقادة نزهاء، ومواطنين مسؤولين. علينا أن نتوقف عن خوض المعارك الخاطئة وأن نركّز جهودنا على بناء دولة عادلة ومنصفة ومتضامنة.
موريتانيا ليست دولة فصل عنصري. إنها بلد الأمل، ما زال في طور البناء، لكنه يقف شامخاً. وواجبنا جميعاً أن نكمل بناءه، معاً.