محمد خليفة يكتب : الإرهاب في دول المغرب العربي

جمعة, 2015-07-31 19:31

تتوالى جرائم تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب العربي، ويزداد خطره بعد أن أصبحت ليبيا ساحة مفتوحة للإرهاب من كل حدب وصوب، فقد كان تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب العربي يعاني معاناة شديدة من ضعف التمويل، وقلة العناصر الجديدة المُجندة، وكانت نشاطاته محصورة في الأجزاء الجنوبية من الصحراء الجزائرية، حيث كان الإرهابيون يتخفون في المغاور والكهوف في تلك الأصقاع النائية المقفرة، والتي لا يسكنها حتى الوحوش. وكانوا يقومون بعمليات خطف - خاصة الأجانب - من أجل الفدية، لكن كان ذلك يتم على أضيق نطاق؛ بسبب ملاحقة الجيش الجزائري لهؤلاء في كل مكان، بهدف القضاء على شأفتهم. لكن بعد شيوع الفوضى في ليبيا، أصبح هذا البلد مرتعاً للإرهابيين من أصقاع مختلفة، حيث يوجد بها الآن نحو ألفي فصيل إرهابي، وهؤلاء شكلوا وقوداً هائلاً ل «القاعدة» في شمال إفريقيا، فأقدم هذا التنظيم على اجتياح شمالي مالي في بداية عام 2012 انطلاقاً من ليبيا، وكان ذلك مبرراً لتدخل فرنسا في هذه الدولة بحجة القضاء على الإرهاب. وفي 16 يناير/كانون الثاني عام 2013 قام تنظيم «القاعدة» بالهجوم على منشأة غاز في منطقة عين أميناس، جنوب شرقي الجزائر انطلاقاً من ليبيا، واحتجز عشرات الرهائن، ورغم أن الجيش الجزائري نجح في استعادة المنشأة، لكن قتل خلال العملية عشرات الرهائن، ولقي عدد من الإرهابيين مصرعهم. ويوم السبت الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية عن مقتل 9 من جنود الجيش الجزائري بعد تعرضهم لإطلاق نار بولاية عين الدفلي من طرف مجموعة إرهابية متطرفة.
ويزعم تنظيم «القاعدة» أنه يسعى لتحرير المغرب الإسلامي من الوجود الغربي الفرنسي والأمريكي تحديداً - والموالين له من الأنظمة «المرتدة»، وحماية المنطقة من الأطماع الخارجية، وإقامة دولة كبرى تحكم بالشريعة الإسلامية. وهذه المزاعم والتخرصات يكررها «القاعديون» وأتباعهم في كل مكان، فهم يزعمون أن نضالهم عادل، وأنهم يعملون على إنقاذ الأمة. ولكن المتأمل لأفعالهم، وما ترتب عليها، يتيقن أنهم يساهمون في تدمير مكتسباتها الحضارية، والعودة بها إلى العصور المظلمة. وتُعد عمليات التهريب العمود الفقري المالي لتنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي، وقد يكون تهريب المخدرات النشاط الأهم لدى هذا التنظيم، فبعد أن أُخضِعت الطرق القديمة عبر منطقة البحر الكاريبي لمراقبة مشددة، تزايد تهريب الكوكايين على متن القوارب والطائرات إلى غرب إفريقيا، ليجري لاحقاً تهريبه عبر الصحراء إلى أوروبا مروراً بمالي، ومناطق أخرى تسيطر عليها «القاعدة» ببلاد المغرب الإسلامي.
ويشير مجلس العلاقات الخارجية إلى أن «القاعدة» ببلاد المغرب تضمن تهريب المخدرات، وتؤمن مسلكاً ساحلياً حيوياً بين الموردين في أمريكا اللاتينية والأسواق الأوروبية. وتقدم الجماعات المسلحة مكافآت مجزية جداً، لتهريب الكوكايين الآتي من أمريكا الجنوبية مروراً بمالي والنيجر وتشاد وليبيا. وتتميز مالي بخصائص مهمة لمهربي المخدرات، بما أنها تشكل محطة ملائمة في منتصف الطريق، فضلاً عن غياب حكومة قوية في البلاد، وعدم اللجوء إلى أي تكنولوجيا متطورة لوضع حد لمحاولات التهريب. ويحصد تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الملايين من الدولارات كل عام، من خلال تأمين - بتوفير قوات مدربة - تجارة المخدرات عبر الصحراء، وتأمين المهربين. ووفقاً لتقديرات مكتب الأمم المتحدة لمراقبة المخدرات، يمر نحو 35 طناً من الكوكايين عبر غرب إفريقيا كل عام، وإضافة إلى ذلك، تعد عملیات الخطف - خاصة السائحين الأجانب - بهدف الحصول على المال، من مصادر التمويل المهمة لدى تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب، فمنذ العام 2008 حصل هذا التنظيم على مبالغ ضخمة من حكومات أوروبية مقابل تحرير رهائن غربيين. وقد بلغت قيمة تحرير الرهائن 66 مليون دولار في العام 2013 وحده.
ويعتبر الإرهابيون خطف الرهائن غنيمة باردة، ويزعمون أنها تجارة مربحة. وهي في حقيقة الأمر، عار كبير يرتكبه هؤلاء، لأن الخطف لا تبرره الشريعة الإسلامية التي يسعون - حسب زعمهم - إلى تطبيقها، ولا تقرها أي شريعة من الشرائع السماوية، ولا الأرضية، لكن هؤلاء- وبئس ما يفعلون - يبررونه بفتاوى كاذبة تصب في مصلحة استمرار إرهابهم. إن الحرب ضد الإرهاب يجب أن تكون شاملة، ويجب ألا تقتصر على منطقة دون أخرى، فمن باكستان إلى مالي، يتحرك الإرهابيون وفق خطة واحدة هدفها تدمير هذه الحضارة الإنسانية، وتعاني دول عربية عديدة من انتشار التطرف، ورغم الجهود الدولية، إلا أنها لا تزال دون المستوى المطلوب، فهل ينتظر العالم حتى يعم الإرهاب العالم الإسلامي حتى يستشعروا خطره.
إن تنظيم «القاعدة» لا يخفي نفسه، فسواء كان ممثلاً في «طالبان»، أو في «داعش»، أو تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب العربي، إنما هي مسميات مختلفة لمضمون واحد، وإن تعددت أوجهه المستعارة.

نقلا عن صحيفة الخليج

اقرأ أيضا