في إحدي الليالي الباردة من شهر رمضان عام 2000م كنت أجلس في ركن مقهي إنترنت في حي لاسبلماس-تفرغ زينة أتصفح أرشيف موقع صحيفة الشرق الاوسط اللندنية، عندما لفت إنتباهي خبر إعتقال السلطات السنغالية لمواطن موريتاني قادم من كندا تمت الإشارة اليه في الخبر ب م.ص، واصلت تصفح الارشيف بعد ذلك لأجد خبرا ثانيا عن الموضوع لكن هذه المرة أن فريقا من مكتب التحقيقات الفيدرالي الامريكي حقق مع المواطن الموريتاني في دكار وعندما ثبتت برائته من التهم الموجهة اليه تم إطلاق سراحه، وكانت المفاجأة بنسبة لي في نهاية الخبر حيث تمت الاشارة الي المواطن الموريتاني بإسمه الكامل محمدو ولد الصلاحي.
كان المهندس محمدو ولد الصلاحي قد إفتتح مقهي للأنترنت في الحي الذي أسكن فيه قبل فترة و منذ الأيام الأولي ربطتني به علاقة خاصة، كان يعتبرني تلميذه وكنت سعيدا بحصولي علي أستاذ في ذكائه الحاد ومعرفته الكبيرة، تعملت منه الكثير خصوصا في مجال تصميم المواقع ، ولغات برمجة، أيضا كنت وقتها أتلمس طريقي في مجال الهاكرز و أمن المعلومات، مازلت أذكر طيبته وإبتسامته، و قد قدم خدمات جليلة للمساعدة في إنتشار الإنترنت وتقنية المعلومات في موريتانيا وقتها.
إلتفُت الي مسير المقهي الذي يجلس بقربي والذي لم يكن سوي أستاذي المهندس محمدو ولد الصلاحي فك الله أسره وبدأت معه تحقيقا ثانيا حول الموضوع.
بدأت أسئلتي تنهال علي محمدو وكان كعادته مؤدبا وأريحيا وأجابني علي كل أسئلتي، فهذه أول مرة في حياتي أجلس مع شخص حقق معه FBI حيث أنني كنت اسمع بمكتب التحقيقات الفيدرالي فقط في الأفلام.
تأكد مكتب التحقيقات الفيدرالي الامريكي من براءة محمدو قبل سنة من الحادي عشر من سبتمبر، وتأكد الموريتانيون والسنغاليون والكنديون من تلك البراء أيضا.
ليتم بيعه بعد ذلك من طرف نظام الديكتاتور معاوية ولد الطائع، وسلمه للإمريكين ظلما مدير الشرطة السياسية وقتها ومدير إخلاقيات المهنة في الشرطة الموريتانية حاليا دداهي ولد عبد الله.
بدأت رحلة العذاب من الأردن مرورا بسجن باغرام وإنتهاء بقاعدة إغوانتنامو، وقد تعرض محمدو لشتي صنوف التعذيب لدرجة أن المدعي العام العسكري العقيد "ستيوارت كاوتش" إستقال بعد إقراره بتعرض محمدو لعذاب لا يطاق وقد ذكر الواقعة الصحفي الكبير " جيس بريفن" في كتابه "محاكم الإرهاب.. العدالة الفظّة في خليج غوانتانامو" وقـد وصف حادثة الإستقالة "بأنها لامست حدود الفضيحة وتوغّلت عميقاً" على الأغلب، في متاهة "الفساد".
وقد قال جامس روبرتسون قاضي بالمحكمة الإبتدائية في الولايات المتحدة مارس 2010 في نطقه بحكم إطلاق سراحه الآتي:
" ...... إن المسألة أمام الحكومة هي إيجاد دليل يثبت ما إذا كان صلاحي عضوا في القاعدة وقت أسره. ونظرا إلى كل ما قُدم أمامي، فإنه ليس بإمكاني أن أجد أي دليل على أنه كان كذلك.
إن طلب إطلاق السراح قد قبل. يجب أن يُمنح صلاحي حريته"
وقد صرح محامي محمدو أكثر من مرة أن ملف الإتهام خاوي، وطالب السلطات الموريتانية في زيارته قبل سنوات بالمطالبة به ... لكن حكومتنا لم تكترث.
اليوم وبعد نشر مذكرات محمدو ولد الصلاحي وإنتشارها عالميا وترجمتها الي 22 لغة، تحول محمدو الي إيقونة ترمز الي جرائم الولايات المتحدة الامريكية في سجن غوانتنامو، محمدو لم تستطع الولايات المتحدة الامريكية ولا مخابراتها ولا سجونها السرية في الاردن ولا 14 من العذاب أن تثبت أنه إرهابي وبرأته محاكمها وتعاطف معه مواطنوها، في حين إعترف قادة القاعدة أمثال رمزي بين الشيبة وخالد الشيخ محمد بفخر وأحيانا تحت التعذيب بما أقدموا عليه وأنهم لو أتيحت لهم الفرصة مرة أخري أعادوا الكرة.
محمدو بريئ براءة الذئب من دم ابن يعقوب وسيخرج يوما ما إن شاء الله منتصرا علي ظلم ذوي البعدي و القربـى
الحرية لمحمدو ولد الصلاحي ... الحرية لأحمد ولد عبد العزيز