أرادته الحكومة لتخفيف زحمة المرور داخل نواكشوط فحوله سكانها ملاذا لهم من منغصات العيش في مدينة لا تكاد تتنفس إلا اصطناعيا، ولا وجود فيها للحدائق والمتنزهات العامة وأشكال الترفيه.
"شارع المقاومة" في الضاحية الشمالية الشرقية لنواكشوط بات منتجعا يأوي إليه سكانها للاستجمام والراحة، وربما لاستنساخ حياة بدوية طبيعية، في نفس كل موريتاني حنين دائم إليها.
ارتفاع درجات الحرارة في نواكشوط، والمستنقعات المنتشرة بأغلب شوارعها وأحيائها، والبعوض الذي يقض مضاجع الناس شكلت بيئة طاردة لسكانها، وأرغمتهم على البحث عن أماكن للترفيه والراحة ولو مؤقتا.
انعدام الحدائق العامة والمتنزهات وأماكن الترفيه في نواكشوط التي يقترب عدد سكانها من المليون، يرغم أهلها على البقاء أغلب الأوقات ومعظم أيام السنة بين جدران البيوت.
وحين تشتد الوطأة لا ملاذ لميسوري الحال منهم سوى المنتجعات السياحية الأوروبية، أما البسطاء ومحدودو الدخل (وهم الأغلبية) فليس أمامهم سوى حياة البادية التي يحاولون استنساخها على شارع المقاومة بانتظار أن يسعفهم الحظ برحلة لأعماق الريف.
وفي ساعات الأصيل يتحول شارع المقاومة إلى ملتقى للهاربين من جحيم نواكشوط، إذ يفدون إليه فرادى وجماعات، شبابا وشيبا، رجالا ونساء، وتأتي أسر بأكملها حيث ينتشر الناس على الكثبان الرملية، يتحسسون الرمال الذهبية ويتمددون في الهواء الطلق دون فرش ولا أرائك.
يحضر الشاي، ولبن النوق، والمشوي، وأحاديث العشيات، وتنطلق أصوات أشهر المطربين الموريتانيين المنبعثة من أجهزة راديو تتوسط المجالس، فتختلط بأغاني "الراب" التي تخترق السمع خارجة من هواتف ذكية بأيدي شباب يمارسون هواياتهم في الرقص على تلك الأغاني.
باعة لبن النوق ومحلات الشواء والشاي بالنعنع، المتناثرة على طول الشارع، خدمات مرغوبة من المتنزهين "الذين يقبلون عليها في أصائل وليالي العطل".
وقال بائع المشويات ولد امبيريك للجزيرة نت إننا نوفر خدماتنا بأسعار في متناول الناس ونحن قريبون من الزبون، ما يجنبه عناء تحضيرها بنفسه.
ويؤكد بائع لبن النوق سيدي ولد محمد للجزيرة نت أن "أيام العطل باتت موعدا ننتظره، حيث نبيع كل ما لدينا من ألبان نحرص على أن نحلبها أمام أعين الزبون الذي يريدها طازجة وغير مخلوطة بشيء".
مرتادو الشارع يبحثون عن ما يلبي غايتهم، ويمارسون ما يحبون من ألعاب وهوايات، لكن معظم الأسر ترى في التنزه على هذا الشارع ما يغنيها عن مشقة السفر الطويل بحثا عن أماكن للتنزه.
تقول الشريفة منت بدَّ (ربة أسرة) للجزيرة نت إن "الأسر تلجأ إلى هذا المكان بحثا عن شيء من الراحة والهدوء بعيدا عن صخب المدينة وضوضائها، ففيه يجد الكبار جوا لطيفا وطبيعيا، كما يوفر للأطفال فضاء للفسحة واللعب، في ظل غياب متنزهات في المدينة "حيث لا يوجد سوى متنزهين أو ثلاثة مل منها الأطفال".
ويشير إبراهيم ولد محمد إلى أن "سكان نواكشوط الذين يعيشون حياة بلا رفاهية، تعودوا الهرب إلى الأرياف في موسم الأمطار بحثا عن الراحة وجمال الطبيعة، لكن الضغوط الاقتصادية منعت أغلبيتهم من ذلك فلجؤوا إلى هذه الضاحية.
ويضيف للجزيرة نت أنه بحكم قرب هذه الضاحية وهدوئها النسبي فإنها تغري الأسر التي تجد الجو اللطيف ولبن النوق الطازج والشواء في الهواء الطلق، وكلاهما كما تعلم له مكانته المميزة في نفوس الموريتانيين.
المصدر : الجزيرة