في كل زاوية من زوايا وطننا المأزوم مؤشرات مقلقة تدل على القابلية بل ربما الجاهزية للاشتعال المجتمعي في أي لحظة بفعل عقود من إخفاق الدولة وقوى المجتمع في التوافق على منظومة علاقات آمنة وعادلة ومنصفة بين المكونات الاجتماعية.
في الأيام الأخيرة تابعنا حالة جديدة من مؤشرات الاشتعال، أو دعونا نقول إرهاصات أوبواكر الاشتعال التي يفضل كثيرون التعامل معها بمنهجية النعامة عديمة الجدوى، فقد سبب اختفاء شاب في جنوب لبراكنة إلى حالة من الشحن العرقي أوشكت أن تدخل الولاية ومعها الوطن في حالة حرب أهلية قبل أن تتكشف الأزمة عن تفاصيل مناقضة تماما لتلك التي روجت لها أوساط في عائلة الشاب الذي اختفى مدة أيام قبل أن يظهر سالما معافى.
بدأت القصة حين اختفى الشاب قرب قرية انجابينا الآمنة في جنوب لبراكنة، فتداعى أقارب ومقربون ناصبين الخيام في مواجهة القرية، مصرين دون أن تكون لهم أدلة على أن الشاب المختفي تم الغدر به من سكان القرية، وانطلقت ماكينة شيطنة تشتغل بوقود إرث من عدم الثقة وقصص مجتمع الجدر المتدابرة.
وعلى مدى أربعة أيام كانت السلطات الأمنية والقضائية تتعامل مع سكان القرية باعتبارهم متهمين حتى تثبت براءتهم، فنفذت اعتقالات عشوائية وأساءت معاملات قرويين آمنين، وأحيت في أذهان الجميع ذكريات محزنة لسنوات الرصاص الطائعية التي قتل فيها المئات وهجر عشرات الآلاف في أحداث يندى لها الجبين ومع ذلك تمت برعاية وإشراف كامل من السلطة وفي ظل صمت مطبق من غالبية القوى السياسية اللهم إلا ماكان من شخصيات وطنية قليلة أمثال الأمام بداه ولد البوصيري رحمه الله
وفي عز حشود الأهالي وإهانات الجهات الأمنية والقضائية، ظهرت الحقيقة مفاجأة وصادمة، فالشاب حي يرزق، وقد تعرض لحادث عادي سقط على إثره من الجمل الذي كان يقله وأغمي عليه قبل أن يعثر عليه مواطنون من ذات المكون الذي كان بعض الأهالي ينسج القصص حول تاريخه في القتل والغدر، فأخذوه معهم إلى حيث يقيمون معتنين به عناية كاملة لمدة ثلاثة أيام قدموا له خلالها الدواء والغذاء والغطاء، قبل أن يوصلوه لانواكشوط بناء على طلب منه.
المعلومات السابقة مصدرها المعني نفسه وأوساط عائلية مقربة منه، وهي على كل حال ليست ما أريد التنويه إليه في هذه التدوينة الخاطفة، بل إن الأمر الذي يستحق أن نتوقف معه جميعا هو هذه القابلية والجاهزية للاشتعال والاتهام والاحتقار والشك والتشكيك والغمز واللمز والنبز.
أما المرض المزمن المؤلم الذي لن نمل من الجهر به فهو أننا أمام نظام سياسي يتعامل مع بعض مواطنيه على أنهم أجانب إلى أن يثبت العكس، غير وطنيين إلى أن يثبت العكس، متهمون إلى أن تثبت البراءة، وتلك معاناة يعايشها ضحاياها يوميا في المستشفيات والإدارات ومفوضيات الشرطة وفي المسابقات وعلى الطرقات الداخلية والخارجية.
نحن أيها السادة نسير بسرعة مذهلة على طريق الاستعال فهلا قبلتم أن نتوقف قليلا لنزيل مسبباته أو على الأقل نتاكد من وجود نظام إطفاء وحماية يسمح بوقفه والحد من آثاره في حال اندلاعه لاقدر الله.