مع أن مأمورية الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز توجد الآن في بدايتها، ومع أن الساحة الموريتانية هادئة الآن، فقد لفت الأنظار هذه الأيام ترويج مكرر تقوم مواقع إعلامية موريتانية محسوبة على الدوائر الخاصة، لاستهداف محتمل لإسلاميي موريتانيا الذين سبق للنظام الموريتاني أن واجههم في آذار/ مارس الماضي بحل لم يتراجع عنه، لجمعية «المستقبل» التي هي ذراعهم الخيري والدعوي.
وهدأت بعد حل الجمعية، المواجهة بين النظام الموريتاني والإسلاميين، غير أن محللين كثيرين يعتبرون أن ذلك الهدوء هدوء مؤقت أملته ظروف الانشغال بالتحضير آنذاك، للانتخابات الرئاسية.
وكان الصحفي الموريتاني البارز موسى ولد حامد المدير الناشر لصحيفة «بلادي»، قد توقع في تصريحات أخيرة للقدس العربي، «أن يلجأ نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، كعادته، لافتعال حدث كبير يشغل به الرأي العام عما رافق الانتخابات من ضوضاء؛ وقد يكون ذلك الحدث، حسب ولد حامد، هو «حل حزب الإسلاميين «تواصل» الذي يعتبره الكثيرون أمرا ما زال مطروحا».
وتاييدا لهذا التوقع، اعتبر متابعون لهذا الملف أن لجم الإسلاميين الموريتانيين الذين هم القوة المحركة الفاعلة في منتدى المعارضة، سيخفف على نظام الرئيس ولد عبد العزيز، ما تعتزم المعارضة الراديكالية القيام به لإزعاج الرئيس ولد عبد العزيز وتكدير صفو مأموريته الثانية التي نالها بفوز كبير في انتخابات وصفت بأنها «مقبولة رغم بعض الشوائب».
وجاءت تصريحات الشيخ محمد الحسن ولد الددو الذي يوصف بأنه الزعيم الروحي لإسلاميي موريتانيا، قبل يومين لصحيفة عربي 21 الألكترونية والتي صعد فيها من انتقاداته لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، متبوعة بتصريحات أخرى لمحمد جميل منصور رئيس حزب «تواصل الإسلامي»، لتؤكد ضبابية الموقف بين الإسلاميين والنظام الموريتاني.
وانتقد الشيخ الددو في تصريحاته الأخيرة «قلب الجيش الموريتاني لنظام سيدي محمد بن الشيخ عبد الله وقال «كان المفروض بعد المصالحة في سنة 2009، أن يحتوي الرجل (الرئيس محمد ولد عبد العزيز)، كل الأحزاب السياسية ويقربها ويدخلها معه فيما هو فيه، لأن موريتانيا سكانها قليلون وتواجه الكثير من المشكلات من قبيل مشكلة الإرهاب والتطرف والمشكلة الاقتصادية والمشكلة العرقية ومشكلة التنوع الثقافي ومشكلات كثيرة وعديدة يواجهها البلد بالإضافة إلى الفقر ومشكلة الجفاف وغيرها، لكن انتهت العهدة الأولى ولم يستطع النظام الموريتاني استيعاب الحراك السياسي».
وتابع الددو انتقاداته «.. قاطعت المعارضة الانتخابات الرئاسية فكانت تقريبا انتخابات أحادية لم يشارك فيها إلا الأغلبية الرئاسية وقد نجح فيها الرئيس ولد عبد العزيز مع نسبة المشاركة المتدنية لكن نجح بنسبة مرتفعة من الذين شاركوا فحصل على أكثر من 80 بالمائة».
وحول منسوب الديموقراطية في موريتانيا قال الشيخ الددو «لا تقدم على مستوى منسوب الديمقراطية بموريتانيا حتى الآن، ومازال تحتاج إلى تقدم حقيقي، والذين ناضلوا من رؤساء الأحزاب ومن المعارضة، والذين صبروا وقتا كثيرا وضحوا وسجنوا وبذلوا الكثير، لا يشاورون الآن في شيء من أمر البلد، فكثير من الأمور الدستورية التي ينص عليها الدستور إلى الآن غير قائمة، من قبيل رئاسة المعارضة الدستورية، ورئيس مجلس الشيوخ لم ينتخب منذ مات، وثلث المجلس منتهي الصلاحية وهناك تعديلات دستورية أدخلت دون موافقة الشعب، وأيضا لجنة الانتخابات التي اعتمدها الرئيس لم تكن محل رضا السياسيين وعموم الشعب».
أما رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) محمد جميل منصور، فقد حرص في مداخلة قدمها ضمن ندوة نظمها الإسلاميون في مدينة نواذيبو تحت عنوان «من نحن وماذا نريد»، على إبراز وسطية الإسلاميين الموريتانيين واعتدالهم»، لكنه انتقد في نفس الوقت «تدخل الجيش الموريتاني في العملية السياسية في موريتانيا، ووصف الجيش الموريتاني بـ»الحزب السياسي الكبير».
وأضاف ولد منصور «عندما نقول حكم العسكر فلا يعني ذلك أننا ضد الجيش والعسكريين، ولكننا نرفض أن يتحول الجيش إلى حزب سياسي كبير، ينافس بقية الأحزاب المدنية».
وانتقد ولد منصور «اعتقال عدد من شبان المعارضة، وخص بالذكر شابين من حركة «كفانا» الشبابية المعارضة»، مبرزا أنه «يدخل في إطار سياسة تكميم الأفواه».
كل هذه العلامات تشير إلى أن إسلاميي موريتانيا يلفتون النظر بضخامة حجمهم السياسي ودقة تنظيمهم وتوفرهم على الوسائل اللازمة للعمل السياسي الصبور والمتقن.
وبالإضافة لإزعاجهم الكبير للنظام بمعارضتهم الشرسة، فإن إسلاميي موريتانيا لا يمكن إلا أن يتضرروا من اصطفاف موريتانيا شبه المؤكد ضمن محور السعودية/الإمارات/مصر المعادي لهم والساعي لاجتثاث تأثيرهم السياسي داخل الوطن العربي وخارجه.
«القدس العربي»