يعرف المثقف بأنه الشخص الذى يعتمد فى عمله على النشاط الذهنى , يشارك فى الحياة العامة من خلال ارائه و تصوراته حول القضايا المطروحة للنقاش و الدفاع عن أخرى يراها تخدم الصالح العام. كما يرى الكثيرون بأنه يجب على المفكر أن يتمتع بنوع من الاستقلالية فى الطرح و التصورات , كما يعرفه اخرون بأنه رجل معرفة و صانع أفكار منتج للمادة السياسية أو مستهلك لها.
من خلال هذا التعريف المبسط و بدون الخوض فى الكتابات الكثيرة حول الموضوع , يمكننا أن نتطرق للمثقف عندنا فى بلاد شنقيط ولمعرفة حقا ما اذا كانت تحوى مثقفين ومن أى طين ؟
يعتبر المثقف عندنا فى موريتانيا و حسب الواقع المعاش وببساطة بأنه كل شخص تمكن او مكن من الخروج على شاشة احدى الفضائيات فى البلد فى أى برنامج كان , كل من شارك فى ملتقى تم تنظيمه فى البلد وحول أى موضوع كان , و بدون ان ننسى جميع العاملين فى المنظمات غير الحكومية وكل من يرى نفسه دخل سن الشباب فلا بد أن تضاف له صفة المثقف.
يرجع هذا الأمر حسب تصورى الى عدم احترام الالقاب العلمية و الاختصاصات بالإضافة الى عدم احترام القائمين على الشأن العام ومنذ بداية الحكم العسكرى للتحصيل العلمى و لقيمة المعرفة. حيث نرى اليوم فى بلدنا الكل يطلق عليه لقب الدكتور فيجيب دون أن يكون تحصل على تلك الشهادة الجامعية و هو أمر منتشر ومخجل بين أدعياء الثقافة فى البلد , و تجد أدعياء الصحافة مع ضعف بين فى اللغة ووتجدهم فى عالم السياسة مع غياب أبسط نوع التكوين و عدم فهم الحياة. وحيث أنه منذ العام الفارط أصبح الاخراج التلفزيونى والمسرحى ممتهن من قبل ناس لا يمتلكون أدنى نوع من التحصيل العلمى حتى يكونوا مرشدين و موجهين لهذا المجتمع المغلوب على أمره، وتراهم فاعلين فى المجتمع المدنى ينظرون لمواضيع علمية وبدون أدنى معرفة و من خلال أفكار مبعثرة تنم عن جهل صاحبها للموضوع الذى يعمل على تحسيس المواطنين حوله , كما تجدهم شبابا يطرحون أفكارا بعيدة كل البعد عن واقع الحال و خالية فى أغلبها من الخلق و الابداع المطلوب عند الشباب.
و منه أصبح المثقف عندنا كل من له القدرة على صياغة جملة دون أن يشترط فيها أن تحمل فكرة أو تدافع عن أخرى فالمهم أن تتكلم , فإذا كان المثقف ممن هم فى صف الحاكم تكلم بلغة يربط فيها بين التوجيهات السامية لصاحب الفخامة , التراكمات السابقة , الشفافية ومحاربة الفساد , نقد المعارضة و التركيز على عدم حصول التناوب فى قيادتها و كان ما يحصل فى الاتحاد ليس غير قرارات يأخذها صاحب الفخامة و دون أن تجد أدنى نقد للعمل الحكومى و الخطاب نفسه من 2009 و حتى اليوم. أما اذا كان المثقف ممن يغرد فى سرب المعارضة كان خطابه فى غالبه لا يتعدى انتقاد النظام من خلال سوء التسيير , غياب تساوى الفرص بين أفراد المجتمع , ان العدالة غائبة فى المجتمع و فضائح الرئيس و التعرض لمحيطه الاجتماعى دون تقديم تحاليل علمية تثبت ذلك و دون اقتراح حلول للواقع القاتم القائم فى هذا البلد المسكين مع عدم صعوبة ذلك وكأن فى الأمر تواطؤ بين السلطة القائمة و من لهم تأثير فى الصفوف الأمامية للمعارضة.
يتضح جليا مما سبق عرضه بأن حال المجتمع المسكين الذى لا يزال فى القرن الواحد والعشرون يتباهى قادته بأنهم شيدوا مدرسة وبنوا مستوصفا و ان طريقا معبدا سيتم شقه قريبا , حيث أن السجال القائم بين اهل القرار من الساسة لا يتعدى هذا المستوى من الطرح و كأن مشاكل المواطن لا تتعدى ذلك و هو ما يفسر بالمستوى التعليمى لأهل فن الممكن فى بلاد السيبة و لغياب أو تغيب المثقف من الساحة و ان يبقى الأمر على ما هو عليه و تبادل الأدوار فى أحسن الأحوال.
اذا كان فى بلدنا من يقدم التصورات و يدافع عنها بقناعة , من ينتج أو يستهلك المنتج الفكرى , من هو مستقل فى طرحه , من يرى الشأن العام همه الأول و ان يكون ذاك كله بأمانة علمية يمكن ان نقول أن موريتانيا الحبيبة يوجد بها مثقفون.
فى الأخير لا يعنى الأمر طبعا أن بلاد المنارة و الرباط خالية من المثقفين و أنما من منطلق ذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين , يجب أن يراجع المثقف الموريتانى واقعه و واقع بلده و ان يقوم بالدور المنوط به والذى يعتبر البلد اليوم فى أمس الحاجة له.
الله من وراء القصد
د. محمد ولد عبد الله