تقع في خاصرة كدية تازاديت هي مدينة الملح في الشمال حيث "سبخت أجل" و التي تحيل إلى باب من التاريخ تقف فيه كحلقة وصل تمر منها القوافل و التجارة بين الشمال و الجنوب تجوب أرض شنقيط بالمعنى الشامل وتتجاوزها، هي كذلك عاصمة ولاية تيرس زمور بعد الاستقلال لستة وعشرين سنة، بدأ منها استغلال مناجم الحديد لكنها لا تحتفظ بذكريات سعيدة في أي مجال ..
بها تصطلح المتناقضات و التي يجسدها المعلمان الشهيران ضريح العالم المجاهد سليل العلماء و اﻷولياء الشيخ الولي ولد الشيخ ماء العينين و المعلم الثاني قلعة الجنيرال الفرنسيگورو قائد الحملة اﻹستعمارية الثانية على بلادنا شكلت ملتقى الطرق الرابط بين المستعمرات الفرنسية فهذه الطريق الموصلة للدار البيضاء بالمغرب، وهذه باتجاه بير أم أگرين ومنه إلى الجزائر، و هذه طريق أگجوجت ومنه إلى أندر بالسنغال و قد ظل ملتقى الطرق هذا موجودا إلى عهد قريب وقد كتبت عليه المسافات: مابين أفديرك و الدار البيضاء و ما بين أفديرك و بير أم أگرين .. إلخ
هي أيضا متنفس مدينة ازويرات خصوصا في فصل اﻷمطار حين يمتلئ سد أفديرك المعروف ب"ربط أفديرك". افديرك اليوم لها مجلس بلدي وليس لها عمدة .. لها صوت في البرلمان لكنه غير مسموع .. هي مقاطعة لها حاكم وبها القائد العسكري العام لمنطقة تيرس زمور، طيبة مثل سكانها حين تدخلها تحس أنك في بداية القرن العشرين ممرات ضيقة و بيوت من الطين و خرائب مدورة "خوبات" تحكي قصص المستعمر، بها بعض المزارع التقليدية الصغيرة و بقايا من سيارات "عابرات الصحراء" من الطراز الأول تذكرك بحقبة الصراع مع الصحراء الغربية.
تمثل مدينة أفديرك ملجأ للكثيرين من سكان أزويرات الراغبين في الحصول على اﻷوراق المدنية خصوصا الهاربين من الوقوف في الطابور لذلك تجد على البطاقات الوطنية للكثيرين من سكان ازويرات "مكان اﻹصدار : أفديرك" ونتيجة لخلاف بين رئيس المحكمة و الحالة المدنية في ازويرات غالبية شهادات الميلاد بعد قرار إرفاق الصورة مع حكم ثبوت الميلاد تجد عليها نفس العبارة "مكان اﻹصدار : افديرك".
هي مدينة بحكم التاريخ لكنها قرية بحكم العمران تأبى إلا أن تظل حلقة وصل بين الشمال و الجنوب، في مواسم السياسة تأخذ حظها الوافر من الصراع بين المال و النفوذ و السياسة.. نفس الوجوه نفس التشكيلات ظلت دائما حاضرة مع بعض الرتوش حالها حال الوطن عموما.
سكانها يعرفون بعضهم البعض ولطبيعتهم الفضولية يتعرفون على كل وافد جديد و لبراءتهم يحسنون الظن بالناس جميعا وداعتهم وكرمهم تجعل الضيف أقرب من اﻹبن .
سكون المدينة وهدوئها يجعلها قبلة للباحثين عن الراحة من جو العمل الشاق وصخب المدينة، هذا السكون تحول بين عشية وضحاها إلى جحيم يجمع بين الخرافات و نبش القبور إلى سلسلة من التهديدات عقبها مسلسل من الحرائق استوجب إستنفارا أمنيا وتحقيقا أوكلت مهامه للدرك الوطني، لكن رغم قلة السكان و صغر المدينة وقلة الطرق المؤدية لها، ورغم التواجد المكثف للشرطة و الدرك و أمن الطرق على الطريق الرابط بينها وبين ازويرات يستمر هذا المسلسل منذ قرابة خمسة عشر يوما وحتى اللحظات التي أكتب فيها اﻵن.
صحيح أن اﻷيام الماضية انتهكت فيها حرمة القبور و فقدت فيها أفديرك 13منزلا بسبب الحرائق المتعمدة وفقدت السكينة العامة حتى أصبح المواطن يعيش كابوسا حقيقيا ينتظر فيه من أي الجهات ستخرج النيران، هل سيهرع ليساعد في إخماد الحريق أم هو من سيهرع إليه ليساعد في إطفاء الحريق اللافت للنظر، هو هذا اﻷسلوب اﻹستفزازي الجديد حيث يتم إحراق منزل بجوار مركز الدرك، بل و أبعد من ذلك أثناء زيارة والي تيرس زمور لطمأنة المواطنين في افديرك يتم إحراق أحد المنازل في الوقت الذي يعقد فيه الوالي اجتماعا بالسلطات اﻷمنية في المدينة.
هي رسالة إستخفاف واضحة مفادها أن لا أحد يمكن أن يقف في وجه الفاعل لتبقى السلطات الأمنية أمام امتحان صعب فماهو الرابط بين نبش القبور و الشعوذة و إضرام النيران في منازل كانت آمنة؟ وفي صالح من تصب هذه الأحداث؟ و من يقف ورائها؟ وإلى متى ستظل السلطات عاجزة عن الإجابة والمواطن يدفع الثمن؟
تحياتي
الشيخ ولد محمد سهيل