آخر ما كان ينتظره المواطن البسيط المنشغل في سبحه اليومي، أن تطالعه الصحف المحلية بأخبار جرائم بشعة تهز الضمير الحي، لم يعد يلفت نظر المواطنين أخبار الانهيار الاقتصادي الحاصل في بلدهم ولا أخبار الأزمات الخانقة التي تطبق على قطاعات حيوية في البلد، لكن الانهيار الأمني هو الحدث الأخير الذي مازال طارئا فهو آخر خبر.
وقد دأب القائمون على أمر هذا البلد اليوم على التقليل من شأن الأمن الأهلي، وظل موضوعا ثانويا في خرجاتهم الإعلامية الضامرة، ولكن المواطن الموريتاني الصبور الذي ينوء بحمل عبء تدبير المعاش على كاهله وحده منذ عقود، قد أصبح مطالبا بحمل عبء أمنه الأهلي على عاتقه، إذ تخلت الدولة اليوم عن التدبير الأمني وأصبحت جرائم الاغتصاب والقتل والحرابة واقعا لابد من مواجهته في غياب مظاهر أي تخطيط أو حراك أمني من جانب النظام القائم.
وأنا ألفت هنا نظر السلطات التنفيذية ممثلة في رأسها رئيس الجمهورية، إلى أن بسط الأمن مسئولية لايستطيع أي شعب القيام بها مهما بلغ من التقدم والرقي أحرى شعب متخلف كشعبنا يعاني ويلات الجهل والفقر، وعليه فإن على الحكومة الاضطلاع بدورها في هذا الجانب الحيوي الذي لن يتضرر منه طرف أو شخص أو جهة دون أخرى، فالانفلات الأمني كالحريق سريع الانتشار والعدوى ولايعرف صديقا وقد يحرق مطلق شرارته، وسيصل إلى من يجلسون أعلى الهرم ريثما يهشم قاعدة الهرم.
ونحن هنا لانطلق الكلام على عواهنه ولا نحارب طواحين الهواء، بل نرسم صورة لهاجس اللا أمن الحاضر في ذهن كل مواطن اليوم ، ونحدد المطالب الشعبية التي تطرح نفسها، فأعظم مطلب لدى الشعب الموريتاني اليوم بجميع فئاته هو لجم وحش الجريمة الجامح، والضرب على أيدي المجرمين مهما كلف الأمر.
ولا يحتاج الأمر لحوار ولا تمويلات خارجية فلو قامت الدولة بما أمكن لحماية الناس للمس عامة الناس ذلك، ولعرف المجرمون أن الحكومة تتخذ إجراءات جديدة لردعهم ولما عاثوا في أرجاء البلاد فسادا، لكن التراخي الحاصل مع ثلة من اللصوص القتلة والمجرمين المردة هو ما أدى لاستفحال الظاهرة.
والخيارات المطروحة الأخرى مريرة ولا مسوغ لطرحها على طاولة النقاش، وعلى الحكومة أن تعلن عن استراتيجية أمنية جديدة وتعترف بفشل جميع مقارباتها الأمنية السابقة، وتبحث عن أسباب الفشل، ثم تنطلق من تمكين الرجال العارفين من أين تؤكل كتف الأمن من الأمر، والاعتماد على الكفاءة والابتعاد عن المحاباة فهذا القطاع الحيوي الحساس ظل غائبا عن سياسة الحكومة وتُرجم ذلك الغياب غير المبرر، إلى فشل ذريع في أداء مهامه.
وإني لأرجو أن نرى في قادم الأيام قرارات شجاعة من طرف الحكومة تؤدي لحفظ أمن الناس وأن يشهد مد الجريمة انحسارا حتى ينعم المواطن بنوم هنيء لأن هناك عينا ساهرة على أمنه.
والله المستعان وعليه التكلان.
المختار ولد الشيخ.