وصف رئيس موريتانيا الأسبق العقيد اعل ولد محمد فال نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بأنه "نسخة مشوهة من الفترة الأخيرة لحكم ولد الطايع"، مشيرا إلى أنه "أسوأ نظام عرفته موريتانيا"، مؤكدا أنه لا يمكن مقارنته بأي من الأنظمة التي حكمت البلاد لأنه لا يشبه إلا نفسه، مردفا أن يقود البلد إلى التفكك والتحلل
وتحدث ولد محمد فال في المقابلة الشاملة مع صحيفة "الأخبار إنفو"الأسبوعية عن وصاياه لرئيس موريتانيا الأسبق سيد محمد ولد الشيخ عبد الله وخصوصا في أسلوب التعامل مع الجيش، كما عبر فيها عن إعجابه بولد الطايع ووطنيته
ورأى ولد محمد فال أنه "من المحال أن يستقر البلد أو يتقدم في ظل استمرار التمرد العسكري الشخصي"، معتبرا أن استمراره "سيؤدي إلى تآكل الدولة وتحلل مؤسساتها، وهذا ما لا يمكن اكتشافه لأنه يتم بشكل تدريجي، وإذا لم تتم تسويته فسيعصف بالبلد وباستقراره السياسي والأمني".
وهذا نص المقابلة:
الأخبار إنفو: عرفت الأشهر والأسابيع الأخيرة خرجات إعلامية متلاحقة لكم، تحدثت فيها عن الأوضاع في البلاد، وبنبرة حادة، ما مبرر هذا الخرجات توقيتا ونبرة؟
ولد محمد فال:اسمحو لي في البداية أن أعلق على موضوع يتداول دائما لدى الإعلاميين، ولدى بعض الموريتانيين، وهي أن اعل ولد محمد فال صمت فترة طويلة، قبل أن يعود للحديث من جديد، وهي "الإشاعة" يقف خلفها كتاب النظام ومروجوه، يقولون: "اعل كان صامتا وفجأة بدأ الحديث".
وللتعليق على هذا الموضوع أقول إني وبعد نهاية الفترة الانتقالية 2005 – 2007 رأيت أن عملي انتهى، وقررت الابتعاد عن العمل السياسي بكل كلي، وقد سألني أحد الصحفيين حينها: هل يمكن أن أعود للعمل السياسي بعد أن أسلم الحكم للرئيس المنتخب؟ فأجبته بأني لا أتمنى أن تعود موريتانيا يفرض علي العودة للعمل السياسي بعد أن وضعنا البلد على سكة الانتقال الديمقراطي، وأخذ طريقه على السكة.
وقد تجنبت بعد ذلك القيام بأي نشاط سياسي، كما ابتعدت عن الإدارة الرسمية ولم أجر طيلة هذه الفترة أي اتصال بأي موظف من البواب إلى الرئيس، غادرت العمل السياسي لأني شعرت أني قمت بما يجب تجاه بلدي، لكن مغادرتي للعمل السياسي لم تكن تعني التخلي عن موريتانيا، أو خذلانها إذ احتاجت إلى تدخلي.
وبعد وقوع التمرد العسكري الشخصي في العام 2008 – كنت حينها خارج البلاد – وعدت إلى موريتانيا بعد حوالي شهر، وصادف وصولي وجود مفاوضات سياسية بين الأطراف الرئيسية في البلاد، وكنت آمل أن تؤدي تلك المفاوضات إلى إخراج البلد من أزمته، وبسبب ذلك الأمل فضلت التزام الصمت طيلة فترة مفاوضات انواكشوط، ومفاوضات داكار، حتى تم اتفاق داكار وأجريت الانتخابات بموجبه.
وقد كنت صريحا خلال هذه الفترة مع كل من التقيتهم، حيث قلت لهم إن شكلية اتفاق داكار لا يمكن أن يحل أزمة البلد، لكنني ورغم هذه الرؤية حرصت على منح فرصة للحلول السياسية، ومع أن الاتفاق نص على إجراء انتخابات رئاسية توافقية وشفافة فقد كان واضحا من اللحظة الأولى أن السلطة لن تحترم الاتفاق، وإنما سيتم تجييره لتشريع السلطة لنفسها.
ومع تسارع وتيرة التحضيرات للانتخابات الرئاسية قررت الترشح للرئاسة، ومبرري في ذلك أن النظام في طريقه لتشريع نفسه، وقد أردت من خلال الترشيح أن لا يقول الشعب الموريتاني إني تخليت عنهم، أو أنهم لم تتح لهم الفرصة في ظرف استثنائي صعب.
وأود هنا أوضح لمن يتغنون بالنظام ويرددون دعاياته في هذا القضية أنه كان من المعلوم أني ترشحت بعد فترة اعتزال للعمل السياسي، وليس لدي أي حزب سياسي، كما أني أواجه نظاما جاء نتيجة تمرد عسكري شخصي، وبالتالي فمن المستحيل إزاحته شعبيا في مدة لا تتجاوز 15 يوما.
لقد ظللت أقول دائما إنما تم هو تمرد عسكري شخصي، ولا علاقة له بالجيش، ولم ألتزم الصمت بعد ذلك، وخير دليل على ذلك هو مواقفي الدولة المعروفة، لقد كنت صريحا في أن هذا التمرد العسكري الشخصي سيشكل أزمة داخلية وخارجية، وقد صرحت بذلك في كل مكان.
الأخبار إنفو: لكن ماذا عن مبررات تسارع وتيرة بياناتكم ومواقفكم خلال الفترة الأخيرة؟
ولد محمد فال:أقول إنه في كل فترة كان يوجد حوار سياسي بين الأحزاب السياسية والنظام في موريتانيا، سواء كان ذلك مع أحزاب سياسية معينة، أو مع تكتلات سياسية، وكنت في كل مرة أقول: ربما يؤدي هذا الحوار إلى إخراج البلد من أزمته؟ لكن الانتخابات الأحادية الأخيرة شكلت قاصمة الظهر لهذا الأمل، وأظهرت أن رأس النظام متماد في تمرده العسكري الشخصي، وأنه لا تفكير لديه ولا إدارة لإنقاذ البلد من أزمته، حيث شكلت هذه الانتخابات استمرار للتمرد الذي بدأ بالانقلاب، وشكلت الانتخابات الأولى مرحلة من مراحله، فيما شكلت الانتخابات الأخيرة مرحلة متقدمة منه.
هذا التمادي في التمرد العسكري الشخصي هو مبرر تصعيدي الأخير، في ظل غياب أي أفق للحل، وهو تصعيد سأواصله في المستقبل حتى يخرج البلد من أزمته.
الأخبار إنفو: وما الحل من وجهة نظركم؟
ولد محمد فال:ما أريد أن أؤكد هو الحل لا بد أن يأتي بإرادة النظام أو بدون إرادته، وكل الوقت كل ازدادت خطورة الوضع، وهذا هو ما يدفعنا الآن للعمل على توعية الشعب الموريتاني بهذا الوضع، من أجل الدفع باتجاه حل سياسي قبل أن تتفاقم الأزمة وتخرج عن السيطرة.
الطبيعية لا تقبل الفراغ، وإذا قبل النظام والأطراف السياسية الحل فبها ونعمت، وإذا لم تقبل فسيتم ذلك رغما عنها، وأقول بكل أسف إن موريتانيا الآن مؤهلة أكثر من أي وقت مضى للتعرض لما وقع فيها مالي أو في ليبيريا.
ومن مظاهر ذلك في الساحة السياسية الموريتانية غلبة الخطاب المتطرف، والحضور المتزايد للمرجعية القبلية والإثنية، وهذا نتيجة طبيعية لغياب الدولة، وهو ما يعرض البلد لمخاطر حقيقية قد تؤدي لتلاشيها.
الأخبار إنفو: أطلقتم عدة تهديدات خلال الفترة الأخيرة، وأعلنتم بعد الانتخابات استحالة الحل السياسي معه، ما هي آلياتكم لتنفيذ هذه التهديدات؟
ولد محمد فال:أقول إن الوضعية التي وصل إليها النظام الحالي تؤدي به إلى القضاء على نفسه، وهو ما وقع لعدة أنظمة أخرى، لأن غياب الحلول السياسية يؤدي لقضاء النظام على نفسه، وهذا ما أشرت إليه سابقا.
حين تكون زمرة من خمسة أشخاص يديرون البلد بشكل كامل، وكل همهم هو تمكينهم وزيادة مكدسات المالية فلا شك أن النظام بذلك يقضي على نفسه.
وهنا أعود لقضية كنت قد تحدثت عنها سابقا وأثيرت حولها ضجة كبيرة، وهي قضية قطع العلاقات مع إسرائيل، فقد قلت فيها إن قطع النظام لعلاقاته مع إسرائيل إنما كان من أجل تثبيت نظامه والخروج من الأزمة السياسية، وقد أثبتت وثائق ويكيليكس هذه الخلاصة، وتعرفون أن هذه الوثائق تم إرسالها من السفرين لسلطات بلدانهم وبالتالي فلا مجال للمغالطة فيها،
لقد قال السفير الإسرائيلي في وثيقة نشرها ويكيلكس إن وزير الخارجية الموريتاني استدعاه وطلب منه العمل على الاعتراف الدولي بالانقلاب، وخصوصا من طرف الأمريكيين، وهدده بأنه إذا لم يتم ذلك فسنقطع علاقتنا معكم، وهنا تم ربط علاقة موريتانيا بمصلحة النظام المتمرد، وليس بمصلحة موريتانيا.
أما السفير الأمريكي فقد قال في الوثيقة المنشورة عنه إن قطع العلاقات مع إسرائيل مرتبط بتأثير إسرائيل على الأمريكيين في قضية الاعتراف بالانقلاب.
وقد أشار أحد السفيرين في رسالته إلى تزامن قطع هذه العلاقات مع وصول القذافي إلى انواكشوط.
وأؤكد لكم هنا أن القذافي ضغط على النظام وهدده بسحب الاعتراف به على مستوى الاتحاد الإفريقي إذا لم يقطع العلاقات مع إسرائيل، وخلال 24 ساعة كانت الجرافات تجرف الحواجز المقامة قرب السفارة الإسرائيلية في انواكشوط، وبالتالي فما قام به النظام في هذا المجال كانت من أجل مصلحة شخص، وليس مصلحة موريتانيا.
الأخبار إنفو: مرة أخرى، نعيد لكم السؤال نفسه، ما هو الحل مع ما تصفونه بنظام التمرد الشخصي؟
ولد محمد فال:أقول بكل بساطة؛ إن قضيتي قضية مبدأ، فالبلد لا يمكن أن يقام على أساس تمرد عسكري فردي، وبالتالي فلا بد من إعادة الأمور كما كانت قبل التمرد، وذلك بتنظيم انتخابات شفافة ونزيهة تضع حدا للتمرد، وتعيد البلد لنظام سياسي ديمقراطي توافقي.
وأنا في هذا المضمار لا يمكن أن أتحدث عن أمور تفصيلية كدخول المعارضة في الحكومة أو دخول غيرها، لأنه لا بد قبل ذلك من إعادة بناء المسار السياسي، هذه المطالب الجزئية والتفاصيل الصغيرة والحلول الترقيعية لا تفيد البلد. لا بد من حل جذري يعيد موريتانيا لمسار سياسي واضح وشفاف ونزيه.
الأخبار إنفو: هل يقدم اعل ولد محمد فال نفسه كبديل عن المعارضة؟
ولد محمد فال:مشكلتنا الأولى اليوم هي مشكلة شخصنة الأمور، دعونا أولا نصل لحل سياسي، ثم بعد ذلك سنصل لهذه المرحلة. بلدنا الآن في مشكلة سياسية متفاقمة ومستحكمة، والمفارقة اليوم أن معاناة الموالاة اليوم أكثر من معاناة المعارضة، وحديثهم اليوم يكشف حجم هذه المعاناة؛ اجلس مع أي واحد منهم وسترى حجم التبرم والتشكي في أحاديثهم، ستكتشف دون كبير عناء أنهم أكثر سخطا على النظام المعارضة. المعارضة داخل النظام اليوم أكثر من المعارضة.
أكرر دعونا أولا نصل لتوافق سياسي ينقذ البلد، وبعدها ليأخذ كل واحد طريفه الخاصة، القضية الآن قضية إخراج موريتانيا من أزمة التمرد العسكري الشخصي، وإعادته للسكة، وليست مشكلة زعامات شخصية.
وأؤكد لكم أن علاقتي بكل الطيف السياسي المعارض ممتازة، عكسا لكل ما يشاع في هذا المجال من خلافات هنا أو هناك، وواجبنا الآن هو السعي لحل الأزمة السياسية وخلق مناخ سياسي مناسب.
الأخبار إنفو: تحدثتم عن إتاحتكم الفرصة للأطراف السياسية للتوصل إلى حل من خلال حوار سياسي، سواء في العام 2008 بعيد الانقلاب، أو في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية الأولى، إذ افترضنا انطلاقة حوار جديد الآن هل ستيتحون لهم فرصة جديدة؟
ولد محمد فال:إذ انطلق الآن سياسي جدي وشامل وفي وقت مبكر – وهو ما أستبعده ولا أعتقد إمكانيته رغم رجائي له لأن التجربة في هذا المجال غير مشجعة، وخصوصا منذ التمرد العسكري – أقول إذ وقع ذلك فسأكون أول المرحبين به بشرط أن يكون شاملا وجادا، وبكل أسف أقول إنه لا بوادر لذلك.
المعارضة منذ ثمانية أعوام تطالب بالحوار السياسي وتدعوا له، وقد مدت يديها وأبدت استعدادها له فرديا وجماعيا، لكن النظام بكل اختصار لا يمتلك القدرة على تنظيم حوار بهذا الشكل.
الأخبار إنفو: في محور علاقاتكم الخارجية، يقال إنكم تشكلون محورا دوليا يضم المغرب وقطر للضغط على النظام دبلوماسيا؟ ما تعليقكم على هذا الأمر؟
ولد محمد فال:بالنسبة لعلاقاتي، أنا لدي علاقات مع دول عربية وإفريقية ودولية، كما تربطني علاقات مع شخصيات ومنظمات إقليمية ودولية، وموقفي هو موقفي داخليا وخارجيا، وكل علاقاتي وظفتها في خدمة قناعاتي، وفي سبيل إنقاذ البلد من أزمته.
والأطراف الدولية التي تحدثت عنها في سؤالك ليس هي – ولا غيرها – بحاجة لاعل ولد محمد فال لاتخاذ موقف من النظام الحالي، وأعتقد أن حفل التنصيب الأخير كشف ذلك، فقد أكد إدراك العالم لافتقاد النظام لأي مصداقية أو شرعية سياسية.
الأخبار إنفو: ألا يمكن أن يكون للظروف الأمنية تأثيرها على التمثيل الدولي فيه؟
ولد محمد فال:الظروف الأمنية لا يمكن أن يغير موقفا سياسيا لدولة معينة، فمقاطعة دول بعينها لحفل التنصيب، وتخفيض أخرى لتمثيلها لا يمكن أن يفهم إلا في إطاره السياسي.
الأخبار إنفو: رغم اقتصار تمثيل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية في حفل التنصيب على سفيريهما، فإن علاقاتهما مع الحكومة الحالية توصف بأنها جيدة، وبالأخص في إطار التنسيق في محاربة الإرهاب؟
ولد محمد فال:يجب أن لا نخلط بين الأمور؛ الدول – وخصوصا الغربية منها – تدرك نوعية الإرهاب الموجودة وهو نوعان؛ أحدهما إرهاب داخلي، والثاني إرهاب خارجي، والإرهاب الخارجي يتغذى على الإرهاب الداخلي.
وأقول هنا إن أكبر مغذ للإرهاب بمفهومه الشامل هو وجود نظام سياسي ضعيف وهش، ومفتقد للشرعية، ولا يمتلك أي ثقة لدى شعبه، ولا يوفر له أي أمان للمستقبل، وهذا هو واقع غالبية الشعب الموريتاني، وهو ما سيدفع هذه الغالبية للبحث عن ضامن لمستقبله في القبيلة أو الإثنية أو في المنظمات الإرهابية.
وأود هنا أن أوضح حقيقة غير معروفة، وهي أن فترة النظام الحالي عرفت أكبر اكتتاب للحركات الإرهابية من الداخل الموريتاني، وذلك بسبب انسداد أفق المستقبل في وجوههم.
العالم يدرك واقع بلدنا على حقيقته، وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، لكن مصالحهم تفرض عليهم التعامل مع النظام القائم، حتى لا يقع انفلات سلطوي، وليس من واجبهم تقديم حلول سياسية ميدانية، لأن إنقاذ البلد وإخراجه من أزمته مسؤولية الموريتانيين، وأؤكد هنا أن هذه الأطراف ستتعامل مع يجلس في كرسي الرئاسة – حتى ولو كان جمادا – لأن مصلحتهم تقتضي ذلك.
الأخبار إنفو: برأيكم، ما هي مآلات الوضع الحالي؟
ولد محمد فال:فقدان الثقة في النظام، وغياب مفهوم الدولة من أ ذهان الشعب، يؤكد أنه لا بد من وقوع تغيير، وإذا لم يتم هذا التغيير بطريقة محكمة ومدروسة ومتوافق عليها، فسيتم من خارج الأطر المعروفة، وهو ما سيعرض البلد لمخاطر حقيقية.
الأخبار إنفو: في مجال علاقاتكم، يثار الكثير من اللغط حول علاقاتكم في إطار منظمة علاء الدين، وتتهمون في هذا الإطار بعلاقات مشبوهة مع اليهود، وعن خلو بياناتكم الأخيرة من أي موقف من العدوان على غزة، كيف ترون هذا الموضوع؟
ولد محمد فال:أريد هنا في البداية أن أذكر بقضية مهمة، هي أن منظمة علاء الدين هي منظمة تضم نخبة من الزعماء من مختلف مناطق العالم؛ سياسية وثقافية وأكاديمية، وهدفها هو الحوار حول القضايا الدولية، وبالتحديد العلاقة بين المسلمين واليهود.
وقد شاركت في أنشطة لهذه المنظمة، وكل مشاركاتي فيها موثقة ومنشورة على موقعها الإلكتروني، ويمكن العودة لها بسهولة، وقد شارك فيها معي وزير الثقافة المغربي ممثلا لملك المغرب، ووزير الثقافة المصري ممثلا للرئيس المصري، فضلا عن عشرات المثقفين المسلمين من عرب وأتراك وغيرهم.
وتناقش أنشطة هذه المنظمة العلاقة بين الحضارات والحوار بينها، وأنا فخور بعضويتي فيها، وبتمثيلي لموريتانيا فيها، وقد دافعت من خلالها عن القضية الفلسطينية، وكل القضايا العربية.
وأنا على اطلاع شامل بكل مساعي النظام لتشويه سمعتي، وادعاء تعاملي مع اليهود، وأقول هنا إن التعامل مع هذا النوع من اليهود مشروع من وجهة نظري، فهي منظمة تجمع الجميع من كل القارات والديانات، وذلك في إطار فكري وثقافي يسعى للوصول لحل للقضايا الدولية بشكل سلمي.
وأقول هنا للذين يتغنون بالتهجم علي، أنتم تضيعون أوقاتكم فيما لا فائدة من فيه، ولا طائل من ورائه، لأن المنظمة معروفة، وأعمالي فيها منشورة، والنغمة التي ترددونها معزولة ومتقوقعة وفقيرة فكريا، وهي التهجم على اليهود دون التفريق بينهم، لأن عداوتنا مع الصهيونية، وليست مع اليهود لأن اليهود منهم معتدلون، ومنهم صهاينة غاصبون.
وخلال الاضطهاد والمعاناة التي تعرض لها اليهود في أوربا وفي غيرها وقف العرب معهم، وآووهم، كما تعايشوا مع جالياتهم في الدول العربية طيلة قرون، وهذه الصورة المتشنجة تجاه اليهود عموما لا أريدها أن تكون لدى الشعب الموريتاني لأن عداوتنا للصهيونية ولمغتصبي الأراضي الفلسطينية المعتدين.
وأذكر كذالك أنني أحد الأمناء التنفيذيين في منظمة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، التي تدافع عن قضايا فلسطين، وتقف في وجه تهويد القدس وباقي الأراضي الفلسطينية، كما تقف مع الثوابت الفلسطينية.
كما أنني على علاقة وطيدة بأهم الشخصيات القيادية الفلسطينية المنتمية لهذه المنظمة.
الأخبار إنفو: هل نصحتم الرئيس الأسبق ولد الشيخ عبد الله بأسلوب للتعامل مع الجيش؟
ولد محمد فال:أقول هنا إنني حاولت بكل الوسائل أن أحمي ما اتفقنا عليه بشكل إجماعي خلال الفترة الانتقالية، واتخذت كل الإجراءات اللازمة لذلك على مستوى إدارات الدولة.
وقد أوصيت الرئيس ولد الشيخ عبد الله الذي خلفني في الحكم بثلاث ملفات أكشفها هنا لأول مرة:
- الملف الأول: هو مركز مشروع وسط مدينة انواكشوط: وكانت دراساته قد انتهت، وقد أوصيته بمتابعته لحاجة المدينة إليه.
- الملف الثاني: هو مشروع حماية انواكشوط من تهديد المحيط الأطلسي: وكان الهولنديون قد أعدوا – بناء على طلب منا – دراسة عنه، وذلك بعد الاختراقات التي وقعت في الحاجز الذي يحمي العاصمة انواكشوط.
- الملف الثالث: هو حماية توازن الجيش: وأخبرت الرئيس أننا خرجنا لتونا من حكم عسكري دام أكثر من عشرين سنة، وأن تدخل الجيش في 2005 كان من أجل إعادة البلد للمسار الديمقراطي، وإنني أود أن أقول له إن الجيش قائم على مجموعة من التوازنات، من بنيها توازن بين أجيال الضباط داخل الجيش، وبين مجموعات أخرى داخله، وأن عليه أن يحافظ على هذا التوازن حتى لا تقع تصفية حسابات داخل الجيش، ولا يتم إقصاء مجموعة لصالح أخرى، وإنما عليه أن يحمي كل الأطراف.
وأكدت له أن خير ضامن لوجود جيش نظامي يحمي الديمقراطية ويحافظ عليها هو الحفاظ على ذلك التوازن، وإذا لم يتم الحفاظ عليه فسنعود للمربع الأول.
وقد اقترحت عليه اختيار شخصية معروفة بتجربتها العسكرية ونزاهتها ومصداقيتها، لمنصب وزير الدفاع، وإبقائها للفترة التي يراها مناسبة، وذلك من أجل النأي بنفسه عن هذا الملف، حتى تكتمل رؤيته لكل الملفات الوطنية، خصوصا وأنه كان قد عاد قبل فترة وجيزة من الخارج.
وودعته بعدها مؤكدا أنني لن أتصل به إطلاقا في قضية شخصية، كما أكدت له وضع تجربتي وخبرتي خلال 30 سنة في خدمة البلد.
لكن – وبكل أسف – لم يعمل بنصيحتي فخلال أسابيع تمت ترقيات كانت نتيجتها الطبيعية هي ما وصلنا إليه الآن.
الأخبار إنفو: وما هي الأسس التي لم تحترم في هذه الترقيات؟
ولد محمد فال:إن الترقيات في الجيش تخضع لقواعد العدل، وللأقدمية والكفاءة، الترقيات تخضع من الناحية القانونية داخل الجيش لقواعد العدل، وللأقدمية وللكفاءة، ومن رقوا حينها كان هناك حوالي 40 ضابطا أقدم منهم وأكثر كفاءة، وهو ما أدى لتهميشهم، فضلا عن احتقار تجربتهم وخدمتهم في الجيش الوطني.
وهذا النوع من التصرف إذا تم في مؤسسة عادية فسيثير إشكالات، فكيف إذا كان ذلك في مؤسسة عسكرية لها قواعدها الصارمة وضوابطها.
ولذا كان لا بد من ابتعاث هؤلاء إلى الخارج أو إبعادهم من قيادة الجيش.
وأود أن أقول – بكل أسف – إن الجيش الآن أصبح في وضعية أشبه ما تكون بوضعية المليشيا، حيث تتم التعيينات على أساس الولاء والثقة، وليس على أساس الأقدمية والكفاءة، وهو هو أسلوب المليشيات، وذلك خلافا للجيش النظامي ذي الصرامة التنظمية والقواعد والضوابط الصارمة.
الأخبار إنفو: دعونا نعود لانقلاب 2005، متى بدأتم التفكير في تنفيذ هذا الانقلاب؟.
ولد محمد فال:بالنسبة لي أرى أن الانقلابات هي آخر الدواء، وما دام النظام قادرا على تسيير البلد، فالانقلاب خطر حقيقي ولا يمكن أن يكون حلا، والفيصل في ذلك هو الوضعية التي يعيشها البلد.
كنت أتابع الوضع في البلد وأرى أنه إذا وصل مرحلة لا يمكن السيطرة عليها مثل ما وقع 2003 فلا بد من التدخل، لأنه لأول مرة يتم تبادل إطلاق النار بين الجيش، وقد أوشكنا على وضع مشابه في العام 2004.
وقد اتضح خلال هذه المرحلة أن النظام أصبح في وضع لا يمكنه تسيير البلاد، خصوصا وأنه بعد كل هذه الأحداث لم يسر في اتجاه حل الأزمات، ولا تغيير الأوضاع إلى الأحسن.
ومع أن العام 2003 عرف إجراء انتخابات رئاسية – كانت في عمومها أفضل من انتخابات 2014 – فإنها لم تشكل حلا للأزمة السياسية، بقدر ما شكلت امتدادا للمرحلة التي سبقتها.
وأود هنا أن أوضح أن الموريتانيين يتصورون أن التحول إلى دولة فاشلة لا يمكن أن يحصل إلا في الصومال أو في الدول المشابهة لها، وهذا التصور خاطئ، التحول إلى دولة فاشلة يمكن أن يحدث في أي دولة، مثلا لو استمرت مواجهات انقلاب يونيو 2003 يوما آخر لتلاشت الدولة، وفقدت المؤسسات أدوارها.
الأخبار إنفو: ما هو تقييمكم للوضع الأمني في البلاد الآن، في ظل الحديث عن إنجازات كبيرة وتطوير عرفه هذا المجال خلال الأعوام الماضية؟
ولد محمد فال:الأمن يجب أن ينظر إليها بمفهومه العام.
وهنا أتساءل: أين الأمن؟ فنحن في بلد يقيم رئيسه انتخابات أحادية ويقصي كل الأطراف السياسية.
أين الأمن؟ ونحن في بلد قضى رئيسه على كل الإصلاحات الاقتصادية التي قمنا بها في الفترة الانتقالية، وذلك من خلال ارتفاع صاروخي للأسعار امتص كل الزيادات التي قمنا بها في الرواتب، والتي وصلت – حينها - 100%، فضلا عن إدخال البلاد في أزمة اقتصادية شاملة.
أما على المستوى العسكري فنحن لم نسجل أي انتصار على القاعدة منذ انقلاب 2008، فقد وقعت منذ ذلك الوقت عدة عمليات، من بينها عملية تورين وقد فقدنا فيها نصف كتيبة من كتائبنا، ووقعت بعضها عملية حاسي سيدي وفقدنا فيها كتيبة كاملة وبكل عتادها، وبعدها وقعت مواجهات في وقادو، وردت القاعدة بعملية باسكنو.
أما الانتصار الوحيد الذي حققناه فهو قصف مسنة وابنتها كانتا في ركب قريب من تمبكتو، وقد تم تعويضهما عن هذا الحادث من الخزينة العامة، وعلى حساب الشعب الموريتاني.
وأؤكد هنا أن هذا الفشل سببه الحقيقي هو رأس النظام الذي أخذ القيادة الفعلية للجيش، وهمش القيادة الحقيقية الميدانية التي تمتلك التجربة والخبرة، بسبب مصادرته لهذه القيادة وانعدام خبرته وقعت هذه الحوادث التي لا يتحمل الجيش ولا قيادته الميدانية أي مسؤولية فيها.
الأخبار إنفو: وماذا عن الوضع الأمني في البلد؟
ولد محمد فال:أرى أن أكبر خطر يتهدد موريتانيا الآن هو تحلل الدولة وتفككها، فلم يعد لموريتانيا الآن من ينتمي لها ولا من يدافع عنها، لأن النبرة القبلية والإثنية والعرقية أضحت غالبة في الخطاب العام في موريتانيا.
كما أن الفترة الأخيرة عرفت أكبر اكتتاب للمنظمات الإرهابية في أحياء موريتانيا، وقد ظهر ذلك من خلال سيطرة القاعدة على مناطق واسعة في مالي في فترة وجيزة، ولولا التدخل الفرنسي هناك لتعرضت بلادنا لمخاطر حقيقية.
أما التسيب الأمني في الداخل فأنتم أدرى به.
والمشكلة الحقيقية أن ما وقع حتى الآن لا يمكن أن يقارن بما سيقع في المستقبل في حال استمرار الأوضاع على ما هي عليه.
الأخبار إنفو: عرفت موريتانيا خلال الأعوام الأخيرة إنشاء جهاز أمني جديد، كما تمت إعادة توزيع الصلاحيات بين الأجهزة الأمنية، كيف ترون هذا الملف؟
ولد محمد فال:دعني أقول لك إن إقامة هذا الجهاز الأمني الجديد لا معنى له، ولا يمكنني أن أجد له تفسيرا، لأن الجهاز الجديد أنشأ نتيجة خلط بين جهازين هما جهاز الشرطة وجهاز الحرس، وأضحى التداخل كبيرا بين اختصاصه واختصاص هذين الجهازين.
كما تم قتل جهاز الشرطة ذي التجربة الأمنية الطويلة.
ولا مبرر إطلاقا لإيجاد جهاز جديد سوى التطفل والتخبط، فالبلد منذ العام 2008 وكل قراراته مزاجية، حتى ولم تمت معرفة فشل القرار أو الجهاز فلا تراجع عنه، ولو كانت القرارات الخاطئة يتم التراجع عنها لكان الوضع أفضل.
الأخبار إنفو: كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تجديد الطبقة السياسية، هل من تعليق على الموضوع؟
ولد محمد فال:تجديد الطبقة السياسية ليس قرارا إداريا ولا سياسيا إلا في الأنظمة الدكتاتورية والشمولية التي تحدد للناس من يمثلها، وللأحزاب من يقودها، في ظل تهميش الأطراف الأخرى، أما في الأنظمة الديمقراطية فتجديد الطبقة سيرورة طبيعية في اختيارات الناس وفي تطوراتهم.
وأضيف أيضا أن فاقد الشيء لا يعطيه، فمن جاء بتمرد عسكري وبانتخابات أحادية وملفوظ وطنيا ودوليا لا يمكن أن يفرز تجديدا سياسيا في البلد.
الأخبار إنفو: هل من مقارنة أو أوجه شبه بين النظام الحالي ونظام ولد الطايع؟
ولد محمد فال:النظام الحالي هو أسوأ نظام عرفته البلاد، وأقول هذا انطلاقا من أنني عايشت كل الأنظمة الوطنية، وخدمت مع بعضها، فهذا النظام لا يمكن مقارنته بأي منها لأنه لا يشبه إلا نفسه.
أو قل إنه نسخة مشوهة من آخر فترة حكم ولد الطايع، وذلك من خلال العودة الجشعة بالبلاد إلى الأساليب التي تسببت وضع حد لذلك النظام.
وأتوقف هنا لأقول إنني أحترم ولد الطايع، وأعتبره وطنيا، وقد حاول خدمة البلد بما استطاع، ولا أشك في وطنيته وقدراته.
ولد الطايع بالنسبة لي كان وطنيا وساعيا في خدمة البلد، لكن ممارسة السلطة وتقدم الزمن أوقعه في بعض الأخطاء.
الأخبار إنفو: هل من كلمة أخيرة؟
ولد محمد فال:أؤكد للشعب الموريتانية الكلمة التي كررتها أكثر من مرة، وهي أنه من المحال أن يستقر البلد أو يتقدم في ظل استمرار التمرد العسكري الشخصي، واستمرار سيؤدي إلى تآكل الدولة وتحلل مؤسساتها، وهذا ما لا يمكن اكتشافه لأنه يتم بشكل تدريجي، وإذا لم تتم تسويته فسيعصف بالبلد وباستقراره السياسي والأمني.
وعلى الشعب الموريتاني أن يدرك خطورة الوضع، وأن يسعى لتداركه قبل أن يتلاشى مشروع الدولة الذي أقامه الشعب من استقلاله، ولا يبقى للشعب سوى التباكي على أشلائه.
وقد بدأت الدولة في التآكل والتحلل منذ اليوم الأول للتمرد العسكري الشخصي، وفي لحظة ما – أو حادث ما – قد ينفجر الوضع ويؤدي لكوارث حقيقية.
نقلا عن صحيفة "الأخبار إنفو" الأسبوعية