خرجت يوم الأربعاء الموافق 14 أكتوبر 2015 إلى تظاهرة سلمية، دعت لها حركة 25فبراير، أمام وزارة الصحة للاحتجاج على الأوضاع الصحية المزرية في البلد، حيث تكتمت الوزارة على انتشار الحمى النزيفية، وتناقض وزير الصحة في تصريحاته والرسالة الموجهة لمنظمة الصحة العالمية بشأن الوباء الخطير، هذا بالإضافة إلى أن وزارة الصحة (الجهة الوصية) هي الوزارة الوحيدة التي أعادت ثلث ميزانيتها تقريباً العام الماضي كفائض لم تجد مبرراً لصرفه.
احتجاجا على ما سبق، بدأت وقفة الحركة أمام الوزارة ودخل النشطاء إلى مكتب الوزير لتوصيل الرسالة الاحتجاجية له وتنبيهه على مسؤولياته اتجاه المواطنين وضرورة الحد من معاناتهم ، كانت أبواب الوزارة مفتوحة ولم يكن هناك أي اقتحام ولا احتكاك.
وصل النشطاء لمكتب الوزير فمنعتنا السكرتيرة من الدخول، خرج الوزير أثناء الحديث معها، وبدأنا الحديث معه حول الحمى ومعاناة المواطنين، كانت العبارات كالتالي:" لماذا أنت مشغول بالحوار والمواطنين يعشون حالة مأساوية في المستشفيات الوطنية؟، لماذا هذا التكتم على الوباء؟ هل تعتبرون حياة المواطنين الموريتانيين غير مهمة لهذا الحد؟"، وأضفنا:" أنت وزير الشعب الموريتاني ولست وزير لأسرة محمد ولد عبد العزيز زعيم العصابة، فالراتب الذي تتقاضاه من ميزانية الشعب والأموال التي تسيرها خصصت لتوفير الخدمات الصحية للمواطنين وليست لشراء السيارات الفارهة والاستمتاع بالعطل الصيفية في الدول الأوربية".
بعد الانتهاء من النقاش مع الوزير الذي أوصد الأبواب في وجه النشطاء، عادت المجموعة إلى الوقفة أمام الوزارة بعد أن تعرضت للضرب من طرف عمال الوزارة ، بعد ذلك، وصل باص الشرطة متزامنا مع رجوع النشطاء للوقفة وتم اعتقال 10 نشطاء وتم التنكيل بالحضور ثم تواجهوا بالجميع نحو المفوضية رقم 4، بدأ التحقيق معنا بعد نصف ساعة من الانتظار في المفوضية، وأطلقوا سراح خمسة نشطاء بعد ساعات من التوقيف ليقوموا بعد ذلك بتوزيع النشطاء الخمسة المتبقين لوجهات مجهولة، حيث أصروا على أن لا يعلم أحد بمكاننا، وأبقوني أنا بالمفوضية رقم 4 ورموني في زنزانة مع مجموعة من اللصوص والقتلة، يدخنون السجائر ويبولون في قناني المياه المعدنية، وأحيانا تسقط تلك القناني لتعم رائحة البول في أرجاء المكان، باختصار كانت ليلة مرعبة في ضيافة اللصوص ويتحكم في ايقاعها البعوض ولسعاته.
صباح اليوم الموالي، أتاني شرطي تأثر لحالي وأخرجني من الزنزانة ونقلني لمكتبه وقدم لي الفطور، مكثت في المكتب حتى الثانية زوالا، حيث أخبرني أنه سيغادر المفوضية وأعادني للزنزانة، لتبدأ معاناة جديدة، بعد قائق من دخول الزنزانة، خرج المفوض ونبهته على المعاملة السيئة والغير قانونية التي تعرضت لها، ابتسم ومضى في طريقه، بعد صلاة العصر، أخرجتني السكرتيرة من زنزانة اللصوص بعد احتجاجي المستمر على وضعيتي المزرية، صليت المغرب ونمت من شدة الارهاق ولم استيقظ إلا منتصف الليل تقريبا رغم تفشي البعوض ولسعاته التي سببت لي لاحقا صعوبة في النوم، بعد ساعات، جاء أصدقائي من المفوضيات المجهولة التي وزعونا عليها ولم يسمح لنا بالجلوس مع بعض.
استمر ذلك الحال حتى الساعة العاشرة والنصف تقريبا، وقاموا بجمعنا في باص من باصات الشرطة وانطلقوا إلى قصر"العدل" وأدخلونا واحداً واحداً على وكيل جمهورية، بعد التحقيق، طلب منا التوقيع على تهم لم نفعلها وطبعا رفضنا جميعا ذلك الأمر، بعد ثلاثة ساعات تقريبا من تواجدنا في قصر "العدل"، ذهبوا بنا الى سجن دار النعيم، بعد الاجراءات الاعتيادية( التصوير وتسجيل الأسماء )، سلمنا مسير السجن المدني في دار النعيم الذي صورنا إلى مجموعة من الحرس قامت بتفتيشنا قبل أن تسلمنا إلى عصابة من اللصوص، قاموا بدورهم بتفتيشنا في جو مرعب ومجموعة من الحرس العزيزية تتفرج وتضحك بصوت ساخر من عبث المجرمين بنا! وأنا شخصيا استولوا على1700 أوقية كانت بحوزتي، وسلمني قائد العصابة رقم واحد إلى زعيم عصابة أخرى ذهب بي إلى وكره وفي الطريق اعترض لص طريقي ولكمني لكمة قوية لم أجد تفسيراً منطقيا لها، وقال لي:" وهاي جاي أنت شاك أنك داخل الجنة "، وحين وصلنا الوكر أجلسوني بينهم و قدم لي أحدهم هاتفه وقال لي:" تلفن أعل أهلك يجيبولك الفظة" احترت من هذا الابتزاز الغير متوقع، ضربني إثنان وصرخا: "ذ ألا هو ال خالق حد يطلس راسه ".
بعدها، اتصلت بأخي وأخبرته بوجودي بالسجن المدني وطلبت منه زيارتي في المساء، لكنهم أخذوا الهاتف بالقوة، وخاطبني كبيرهم قائلاً توجه للحمام لو كنت تريد الاستحمام، وذهبت للحمام ليس رغبة في الاستحمام في حد ذاته بل من أجل الحصول على دقائق بعيدا عنهم، أثناء وجودي في الحمام وبعد أن تجردت من الملابس، دخل إثنان وحاولا سرقتها لأدخل معهم في معركة بالأيدي، ذهب أحدهم بنعلي والثاني حاول سرقة قميصي لكن فشل وهرب بعد أن أصابني في الظهر، خرجت من الحمام وظهري ينزف بشدة.
عدت لوكر العصابة وقضيت ساعتين بمثابة مائة سنة، كان زعيم العصابة يكرر كل دقيقة:" أنت خوك ما ج" وأرد عليه:" أدور يعود قريب"، بعد انقضاء الساعتين، أتى الفرج، حيث جاء نائب زعيم العصابة الأولى وأخذ بيدي إلى مدخل السجن وأخبرني أننا سنغادر نحو سجن السلفيين، وكان خبرا سار بالنسبة لي، حيث سأتخلص من قبضة هذه العصابة المجرمة التي تمارس كل البشاعات، أنساني الخبر ألم ظهري.
وصلنا بعد ذلك للسجن المدني بلكصر، واستقبلنا السلفيون بالترحاب وكانت الأجواء مغايرة لكوابيس الساعات التي عشناها في سجن دار النعيم، حيث كان لكل واحد منا قصة مأساوية مع ذلك المكان الموغل في البشاعة.
أحمد ولد أبيه
السجن المدني