تحية نضالية لشباب "بلد ينزف" الذي قدّمَ مؤخراً نقلة نوعية عندما نأى بالنضال إلى وجهته الحقيقية وهي كشف تورط السلطة في المآسي أو تأبيدها. وبفعل هذا النضال، الذي سجنتهم عليه حكومة الجنرال عزيز، فقد أدخلوا الحالة الصحيّة للبلد في المحاسبة العامة. وفيما تحمي حكومة الجنرال عزيز وزارة صحة يتولاها زبون غير كفؤ للجنرال عزيز خطته الوحيدة هي نكران أي حالة مرضية في البلد فإن النضالات الشبابية القادمة من المخاوف الأهلية والتجارب الاجتماعية تُظلِّلُ على انتشار أوبئة ظلّت الدعاية الحكومية، مع جهازها الحمائي (سياسياً وليس طبياً) من "الأطباء" ينكرها.
وبالنسبة لمؤشر "موندي" العالمي فليس هنالك شكٌ أن موريتانيا هي منطقة أمراض الحمى الضنكية وحمى الواد المتصدع وغيرها.
وتنقل لنا المؤشرات الصحية الدولية خريطة للأمراض في موريتانيا. ويمكن لنا تقسيم هذه الأمراض والأوبئة إلى ثلاثة: أمراض التغذية وأمراض الاحتكاك مع الحيوانات، والأمراض التي ينقلها البعوض. تنقلُ المؤشرات لنا وجود الأمراض التاريخية بهذا البلد كالبلهاريسيا وداء الكلب وسوء التغذية والشلل وأمراض الاحتكاك بالحيوانات وأمراض الغبار والتنفس والمكورات السحائية وحمى التيفوئيد وداء البريمات أو أمراض المياه.
بعضُ الأمراض بهذا البلد معروفة للأسر والعائلات، ولكنها غير مكمكمة اجتماعياً في أسماء علمية، لذا تهرب من الرقابة تحت مسميات "الحمى" و"إيكَندي" و"المجبنة" و"وجيع الراس"، وهي تصنيفات يُطلِقُها الموريتانيا على قائمة طويلة تبدأ بالعطاس ولا تتوقّفُ عند السرطان.
هاهي بعض الأمراض الموريتانية الأكثر ذيوعاً بحسب المصادر الصحية الدولية:
التهاب الدماغ الياباني: مرض آسيوي يوجد في موريتانيا غالباً دون غيرها من البلدان الإفريقية. من الأرجح أن فيروسات الطيور البرية نقلته بفعل عدم احترام الإجراءات الصحية في تصدير الدواجن.
داء الليشمانيات الجلدي: التهاب جلدي عادة ما يتجاوزه الموريتانيون بأنه نوعٌ الجرب، بيد أنّه قد يصل أحياناً إلى عدوى تنشرُها الفواصد.
داء المثقبيات الإفريقي: عندما كنا في الثانوية سخرنا من هذا المرض باعتباره "داء النوم" الي تسبِبه ذبابة تسي تسي. ولكنه اليوم مرضُ موريتانيا بحسب الهيئات الصحية الدولية. وقد ضرب الأبقار الموريتاية واانتقلَ إلى االرعاة.
التهاب الكبد الوبائي الذيي كان يُصيب المدارس عندما كنا صغاراً بسبب عدم طهي الطعام وانتقال عدوى المصابين به عن طريق التعايش.
حمى الضنك، المعروفة أيضاً بـ"حمى تكسير العظام" التي أذاعها نضال الشباب وجعلها موضوعَ نقاشٍ وطني. كانت قد بدأت تضرب الأوساط المدنية، وخصوصاً بالعاصمة منذ ابريل الماضي لتنتشر بسرعة عن طريق البعوض إلى مناطق واسعة في تيارت ثم في غيرها من المقاطعات، مؤدية إلى تساقطات مؤقتة في صفوف الأهالي. وكانت المعارضة قد أدانت إخفاء المعلومات عن هذه الحمى، وأنكرَ أطبّاءُ سياسيون وجودها أصلاً بغرب إفريقيا.
شيكوغونيا: ينتقل عبر البعوض و، مثله مثل الضنك، يؤدي إلى آلام مفصلية بيدّ أنه يستمر أشهر وأحياناً سنوات، وله مترتبات قاتلة.
حمى الوادي المتصدِّع: مرضٌ آخر أذاع الوعي به نضال الشباب في موريتانيا عندما ظهرت معلومات مؤكدة عن وجوده بالبلاد، مع استمرار الحكومة في نكرانه. المرض يجمع بين النمطين الأكثر ذيوعاً وإذاعة للأمراض في موريتانيا فهو مرض ينتقل عبر الحيوانات والاحتكاك معها، كما أ،ه مرضٌ بعوضي ينتقل عبر وخز البعوض وقرصه. يدور في لساحة الموريتانية جدال هل حالات الحمى المتفشيّية (ولكن المنكرة حكومياً) هي ضنكية أو وادمتصدعيّة. ورغم البعد السياسي، الاعتذاري أو التشنيعي في هذا النقاش، إلا جزءً من النقاش بين الأطباء يتعلّقُ بتشابه أعراض المرضين، وخصوصاً آلام المفاصل والحمى والصداع والإعياء الشديد.
حمى لاسا، المتوطنّة أصلاً جنوب الصحراء الإفريقية، والمتنقِّلة عبر الفضلات الحيوانية.
آن الأوان لنضال صحي حقيقي. إلى حدِّ الآن بدأت الحملة النضالية ضدّ تهاون وتكاسل النظام السياسي في تقديم مطالب حيوية. يجب زياجة هذه المكالب والدفع بها قدماً:
إنهاء الجلفونية بيروقراطياً وخطابياً، زيادة التمويل الصحي (بإشراك الهيئات الرقابية ومنظمات المجتمع المدني والمحاسبين المستقلين مالياً وسياسياً)، اتخاذ إجراءات صحية وقائية ومحسوسة، إنشاء هئيات ليس فقط للتوعية الصحية بل ومراصد مستقلة لإطلاع المجتمع على الوضعيات الصحية وسبل وإجراءات التقدم فيها. في مجتمع ديمقراطي كان يمكن للبرلمان أن يساعِدَ في هذا. ولكن تعذُّرَ برلمان حقيقي بموريتانيا (حيثُ لم يبزغ من صورة تنافسية بين كلِّ الكفاءات) عطّل هذه المهمة.
إلى الأمام