لاجئو مالي.. الأمان والتعليم سقف الطموح (تقرير)

أربعاء, 2015-10-28 17:09

يقدر عددهم بالمئات، أما مأساتهم ومعاناتهم الإنسانية فيلمسها من يجول في البلدات الحدودية في عمق الصحراء الكبرى بين الجزائر ومالي، من "تيمياوين" و"برج باجي مختار" إلى "تينزاواتين".

يخيل للزائر بمجرد وصوله إلى هذه المناطق، وكأنه في مالي، نظرا لعدد اللاجئين فيها: رجال ونساء، وأطفال صغار، وشباب، وكهول، وشيوخ. بل إن هناك من أبصر النور في المخيمات.

عثمان، وأياد، ومحمد، وكايتا وآخرون، فرّوا بجلودهم من بطش من تصنفه السلطات إرهابا إلى جانب الدمار واللصوصية، التي تغذيها الحرب الداخلية في بلدهم. لسان حالهم يقول "نبحث فقط عن لقمة خبز نسد بها أمعائنا الخاوية، وخيمة تؤوينا، بانتظار غد أفضل".

لغة الطوارق
ورغم صعوبة التواصل معهم، لكونهم يجهلون الفرنسية والعربية، ويتحدثون فقط "الترقية" وهي لغة أمازيغية خاصة بالطوارق، فإنهم رووا بكل عفوية الجحيم الذي شاهدوه قبل أن تطأ أقدامهم برفقة عائلاتهم الأراضي الجزائرية، تاركين وراءهم بيوتهم ومدارسهم وذكرياتهم.

عثمان ابن التاسعة قال "كنت نائما في منزلنا الصغير ببلدة الخليل (المالية) وفي ليلة مظلمة هاجمتنا جماعة. استيقظت فزعا على دوي الرصاص، وأخرجني والدي من المنزل أنا وأخي الرضيع الذي لا يتجاوز عمره سنتين. لم أفهم ما يدور، حتى وجدت نفسي على متن سيارة "ستيشن" برفقة عائلاتي وآخرين متجهين نحو الجزائر".

 

وأضاف"أتمنى أن أدرس مثلي مثل كل الأطفال حتى يعود الاستقرار في بلدي مالي وأعود إليها مجددا".

حال عثمان هو حال عشرات الأطفال وأرباب العائلات المالية ممن استقروا مؤقتا في منطقة الحدود الجزائرية. يبدون رغبة بالالتحاق بالمدارس الجزائرية والدراسة كباقي أطفال العالم، وكلهم أمل في عودة الهدوء والاستقرار لبلدهم ليعودوا إليه من جديد.

بين اللاجئين إلى الجزائر طلاب جامعيون، بينهم الشاب آغ غالي (27 عاما) الذي كان على وشك الحصول على بكالوريوس تجارة، حيث كان في السنة الرابعة بجامعة مدينة "كيدال" شمالي مالي، إلا أن الحرب دمرت حلمه.

أحلام غالي
يأمل غالي الالتحاق بإحدى الجامعات الجزائرية ليُتم دراسته. عن قصته مع الحرب قال غالي "الحرب شردّتنا، أنا وصلت إلى الجزائر بصعوبة كبيرة لأن الطريق من كيدال إلى مدينة الخليل -التي تفصلها عن الحدود الجزائرية مسافة 18 كيلومترا- صعب جدا".

 

وتابع "واجهت شخصيا مخاطر كثيرة هربت من الإرهاب في كيدال وفي الخليل وجدت مليشيات المدعو "الهجي" الذي يقتل بحكم التمييز العنصري بين قبائلنا، وصلت للحدود الجزائرية. وما زلت إلى يومنا أقطعها ذهابا وإيابا، مغامرا بحياتي لأطمئن على أفراد عائلتي، كوني لا أملك خياراً آخر".

أمثال آغ غالي كثيرون وما زالوا يخاطرون بحياتهم للعبور إلى الناحية الأخرى للاطمئنان على ذويهم ويعودون إلى المخيمات رغم "التضييق الأمني" من السلطات الجزائرية. وينظر آغ غالي إلى ما يفعله على أنه "لعبة كرّ وفرّ لكنها قاتلة".

مريم لاجئة مالية أصرت أن تعبر لنا عن امتنانها لحسن الضيافة والتضامن، اللذين لقيتهما من الشعب والسلطات الجزائرية، حيث أكدت أنها أنجبت طفلة منذ سنة في مخيم اللاجئين الماليين، وقررت تسميتها بـ"حسيبة" تيمنا بالجزائر، لكن حلمها الكبير أن تعود مجددا إلى مالي، وتتربى حسيبة وسط باقي أخواتها في بلدة "تمبكتو".

غض الطرف
ويلاحظ المراقب أن الجزائر تغض بصرها عن اللاجئين، الذين يتنقلون نحو الشمال أو يشتغلون لضمان لقمة عيشهم لكنها تتشدد في عمليات التفتيش عن جهاديين محتملين تشتبه في تسللهم بين اللاجئين.

الهيئات والسلطات المحلية ممثلة بزعيم قبائل الطوارق ونائب بالمجلس الشعبي الوطني محمد قمامة ورئيسة الهلال الأحمر سعيدة بن حبيلس، والخبير الأمني حبيب عظيمي، أجمعوا على أن استقرار الجنوب الجزائري مرتبط بالاستقرار في مالي. ولهذا يضع الجيش الجزائري تعزيزات أمنية ضخمة لمنع تسلل من أسموهم الإرهابيين "تحت غطاء إنساني، لكن مع ضمان التكفل باللاجئين طبقا للقانون الدولي الإنساني".

الوزيرة السابقة ورئيسة الهلال الأحمر الجزائري سعيدة بن حبيلس أكدت من جانبها أن هنالك صعوبات كبيرة في التعامل مع اللاجئين. وقالت إن "الكثير منهم يتشابهون ويتحركون بجوازات مزورة والعديد من النيجريين ومن جنسيات أفريقية أخرى نكتشف بعد مدة أنهم يتجولون في الجزائر على أساس أنهم ماليون لكنهم يتاجرون في الممنوعات".

 

الجزيرة

اقرأ أيضا