احتفل أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بفوزهم السياسي في الانتخابات حتى الليل، ملوحين بالأعلام وقرع الطبول والأغنيات وأبواق السيارات.
وكان فوز الحزب الإسلامي يحمل دلالات إيجابية نظرا لاعتقاد البعض بأنهم سيحصدون الأصوات الكافية لعودة نظام حكم الحزب الواحد.
ولم يستطع الحزب الحاكم الحصول على النصاب الذي يسمح له بإجراء استفتاء على تعديل الدستور وزيادة سلطات الرئاسة، وهو 330 مقعدا، غير أن مثل هذا التحرك سيظل على جدول أعمال الحزب السياسية.
لكن حتى في ظل الاحتفالات بالفوز، كان هناك اعتراف بأن النتيجة دفعت تركيا إلى حالة استقطاب، كما راجت تعهدات بأن حزب العدالة والتنمية الحاكم سيحكم باسم الجميع.
بيد أن غالبية المعارضة باتت يساورها الشك والاستياء.
وشهد حزب الشعوب الديمقراطي، الموالي للأكراد، تراجعا في التصويت.
وكان الحزب قد واجه صعوبات نتيجة استئناف أعمال العنف في المناطق الكردية التي يثار اعتقاد بأن الحكومة أججتها لتهيئة مناخ من عدم الاستقرار.
وتزعم الرئيس إردوغان، المفترض أنه خارج الخلافات السياسية، حملة تحت شعار "أنا أو الفوضى".
وقال زعيم حزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرطاش: "هذه لم تكن انتخابات نزيهة. لم نستطع الترويج لحملتنا بسبب اضطرارنا لحماية مواطنينا من مذبحة".
وكان الحزب قد علق حملته الانتخابية بعد تفجيرات أنقرة.
مخاوف بشأن الحرية
وحذر كمال كليشدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري العلماني، قائلا: "الحزب الحاكم يتعين عليه أن يحترم مبدأ سيادة القانون".
ويخشى العلمانيون من تقويض الحريات الأساسية في ظل وجود حزب حاكم واثق بنفسه.
وكانت الانتخابات بالطبع انتخابات كافحت فيها المعارضة من أجل الحصول على مساحة إعلامية، لكن المعارضة يتعين عليها أيضا أن تتعلم من انقسامها.
وهيمن ذكر إردوغان على هذه الحملة، على الرغم من أنه ليس مرشحا بها.
لكن الانتخابات كانت في الأساس بشأنه وعززت قبضته على السلطة، وثمة احتمالات بأنه سيناور من أجل زيادة صلاحيات الرئاسة.
ويتمتع إردوغان بغرائز استبدادية، كما يستاء من النقد والمعارضة، فهو يترأس فترة تكمم فيها أفواه المعارضين، فضلا عن قمع وسائل الإعلام.
إنه سياسي يحتاج فيما يبدو لأعداء. يقدم نفسه على أنه صخرة وحصن ضد زعزعة الاستقرار، والكثير من الناخبين يصدقون ذلك، فيما يبدو.
والشيء غير الواضح هو هل سيسمح بتعميق الانقسامات، على الرغم من ضمان فوز الحزب الذي أسسه في الانتخابات، أم سيعمل على توحيد البلاد؟
بلد محوري
أما فيما يتعلق بالعالم الخارجي، فالغرب يحتاج إليه، وهو يعلم ذلك، فتركيا بلد محوري على صعيد الحرب الدائرة في سوريا، وأزمة اللاجئين في أوروبا.
وينتقد الزعماء الأوروبيون، سرا، إردوغان وسجله بشأن حماية حقوق الإنسان وسيادة القانون. لكنهم في حاجة لمساعدته لإدارة أزمة اللاجئين التي يكافحون من أجل السيطرة عليها. وكانوا قد أجلوا قبل الانتخابات نشر تقرير حساس.
لكن على الرغم من عدم الارتياح الذي قد يشعرون به إزاء إردوغان الجريء، فمن المرجح، سرا، ترحيبهم بعودة حكومة الحزب الواحد.
وتنطوي حساباتهم على أن وجود حكومة قوية في البلاد قد يساعد في إبرام اتفاق يتيح السيطرة على تدفق اللاجئين من تركيا.
وفي المقابل سيصر إردوغان على تيسير قيود السفر في أوروبا وتسريع طلب بلاده للانضمام للاتحاد الأوروبي.
وسوف تعزز نتائج الانتخابات طموحات إردوغان من أجل جعل تركيا قوة إقليمية حيوية.
وتجدر الإشارة إلى أن تركيا قدمت، منذ فترة قصيرة، نموذجا ديمقراطيا في خضم الاضطرابات والانتفاضات التي اجتاحت الشرق الأوسط.