المزاج لم يكن رحبا،ووجوه التلاميذ كانت خافتة كالأضواء البعيدة،تلك السحلية ذات الأطراف الخشنة،كانت تفتش بين المقاعد عن ثقب في الجدران لتختبئ فيه،كأن شبح سنة التعليم يطاردها...بما أنها بداية السنة،حاولت أن أكون لطيفا،كيوم دخول الرواتب،لكن التجهم كان يحاصر قسماتي الوعرة،كتلك الرمال المحيطة بالثانوية،شعرت بالرغبة في إطلاق النار على السبورة،وعلى الشمس المشاكسة التي لم تستأذن،فأشعتها كانت كالسيوف تتسلل من نوافذ القسم لتقطع جغرافيا الظل المتماسكة!
كانت الأسئلة نائمة على شفاه التلاميذ،وكان الحماس مقيدا في عيونهم،أحسست أنني على ضفاف الستين عاما،وأن ورقة التقاعد ستلف لي مع خبز العاشرة صباحا . وفجأة هربت المعلومات من رأسي،كما يهرب قطيع الماعز من الذئب،حاولت تذكر مقاييس بعض الزوايا وأسماء بعض التلاميذ،لكن ذاكرتي كانت تشبه الدائرة بلا منافذ!
لا أعرف لماذا جعلتني الأقدار أقف أمام السبورة،ربما ثمة حكمة في ذلك،كما يقول صديقي العاطل عن العمل منذ 3 سنوات!
كانت فضفاضتي بجوار السبورة تشبه المظلة،كأنها تود أن تطير كحمامة بيضاء،لتنزل على رأس وزير التعليم في مكتبه المكيف...أحاول جاهدا أن أكون مخلصا وصاحب رسالة ما،لكن الطفل في داخلي يصرخ بقوة،يريد المزيد من التشرد على أرصفة الحياة البعيدة...لا زلت أنام ليلا دون وسادة،وعندما أسير وحدي أفكر في القفز،وهم يريدونني أن أحمل على كاهلي وطنا حزينا وامرأة!
أنا لا أفهم الحياة،أعتقد أنني أحلم،يبدو أن الرئيس لم يعد مولعا بالتجريد،ليته يقوم بتجريدي في شهر نوفمبر هذا،بوصفي أستاذ فاشل،فإحداهن قالت لي إن 4 ضرب صفر تساوي 4،وبدت مصممة على ذلك،حاولت أن أقنعها أنها تساوي صفر،لكنني فشلت،فقلت لها إن موريتانيا ضرب صفر تساوي صفر،الصفر ليس بسيطا،والرياضيات معقدة يا صغيرتي،اسألي عنها فخامة الرئيس فهو ضليع في الحساب!
هنا تامشكط، والسماء مطرزة بالنجوم والساعة 23:56 وطابت أوقاتكم،واعتذر مسبقا عن عدم التفاعل معكم لأسباب فنية ونفسية يضيق الوقت عن شرحها.