تشتهر منطقة ماكاو الصينية بالقمار أكثر من مساعدتها إياك لتبلغ مرحلة العمر الذهبي، لكنها مع ذلك، وبشكل غير متوقع، تحمل أسرارا تتعلق بارتفاع متوسط أعمار سكانها.
دأب السيد تشان، البالغ من العمر 90 عاماً والمعروف في قرية "كولوان" الواقعة في منطقة ماكاو باسم "العم الثري"، على فعل الشيء ذاته طوال حياته، إذ يرتدي الرجل النحيف المفعم بالنشاط قميصاً فضفاضاً قصير الأكمام، ويلبس حذاءه الجلدي الأسود، ثم ينطلق في جولته الصباحية للسير على امتداد شاطيء قرية كولوان.
ذلك هو أحد دروبه المفضلة، مع أنه يضيف إليه أحياناً السير عبر الحدائق أو عبر الرمل الأسود لشاطيء شيوك فان.
يقول تشان الذي تتكون أسرته من ثمانية أولاد وعشرة أحفاد: "أقضي معظم وقتي في الخارج. نجلس أنا وزوجتي على الشاطيء ونستمتع بالمناظر الخلابة، أيامنا تمضي في فرح وابتسامات".
ويرجع ذلك المعمر الصيني السبب في طول حياته السعيدة تلك إلى ذلك النظام البسيط الذي يتبعه (إضافة إلى طعام منتظم من الأرز والثوم).
ويبدو أن هذا المعمر ليس استثناء، فحسب تقرير سنوي تصدره المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) ويعرف باسم "كتاب حقائق العالم" عام 2015، يتمتع مواطنو ماكاو بالمرتبة الرابعة عالمياً في طول العمر بمعدل 84.51 عاما بعد موناكوا التي يبلغ متوسط أعمار مواطنيها 89.52 عاماً، واليابان التي يبلغ متوسط أعمار مواطنيها 84.74، وسنغافورة التي تحتل المرتبة الثالثة بمعدل 84.68 عاماً.
لكن ما الذي تتميز به هذه المنطقة المشهورة بالقمار وليس بطول أعمار الناس فيها، وما الذي يجعل سكانها من المعمرين؟
يمكن للمال أحياناً أن يشتري السعادة
من المثير للانتباه أن الكازينو الذي يمنح ماكاو شهرتها كإحدى بؤر القمار في العالم، يعتبر أيضاً أحد أسباب إطالة أعمار السكان. فحسب التقرير الأمريكي سالف الذكر تعتبر مكاو أغنى بقعة في العالم، وأسرع الاقتصادات نمواً في العالم.
فمن عائدات القمار وحدها حققت دخلاً قدره 351.5 مليار عام 2014 وحافظت على معدل بطالة منخفض يصل إلى 1.9 في المئة .
غم أن اقتصادها في تراجع حالياً، دعمت أنشطة القمار الاقتصاد على مر السنوات بنسبة 80 في المئة من الدخل القومي للعام الماضي، كما ساهمت الضرائب المفروضة على القمار بنصيب الأسد من العائدات المالية للحكومة.
يقول تشان: "كل سائح يزور ماكاو يذهب إلى تلك النوادي، وهذا بالطبع شيء جيد. إنه الوسيلة الوحيدة التي تمكن الحكومة من العناية بنا".
وتستخدم عائدات نادي القمار في توفير نظام رعاية صحية مجاني، وفي رواتب تقاعدية شهرية، ودعم مالي سنوي لجميع المواطنين فوق عمر 65.
كما يتاح لكبار السن التمتع بخدمات عدد من المراكز الاجتماعية المنتشرة في المدينة حيث بإمكانهم التمتع بالعروض الفنية وتناول الطعام والتواصل مع الآخرين والاشتراك في رحلات ميدانية.
هذه الخدمات الحكومية تنسجم تماماً مع ما ورد في تقرير جودة الحياة في ماكاو والذي غطى الفترة ما بين 2007 و 2012.
وفي هذا التقرير الذي اعتمد على 12 استطلاع اجتماعي واسع النطاق أجراه فريق باحثين في جامعة ماكاو المعروفة باسم جامعة سانت جوزيف، تبين أن أكثر من 90 في المئة من المشاركين في تلك الاستطلاعات قالوا إنهم راضون أو سعداء جداً في حياتهم. وقد تضمنت العوامل المساعدة على ذلك الهواء النقي، والتعليم الممتاز، وتوفر الخدمات الصحية، والاقتصاد القوي.
دور أكبر للمجتمع
من الصعب قياس مدى تأثير الثقافة على طول العمر، لكن الثقافة الصينية عامل آخر من العوامل المساعدة في ذلك. فمن بين الأشياء التي يصعب قياس تأثيرها اعتبار العلاقات العائلية والاجتماعية أمراً في غاية الأهمية.
فالعائلات المنتمية إلى أجيال مختلفة تعيش مع بعضها معظم حياتها، ويندر أن ينتقل الوالدان إلى مراكز رعاية المسنين.
يقول دكتور زينغ، رئيس مركز أبحاث التمريض والتعليم الصحي في كلية كيانغ للتمريض في ماكاو: "يؤكد مواطنو ماكاو على أهمية الانسجام في العلاقات العائلية. فهم عادة ما يتناولون الشاي سوية في الصباح. أما إن كانوا يعيشون في بيوت منفصلة، فإنه من المعتاد أن يلتقوا ولو مرة واحدة في الأسبوع على الأقل".
وفضلاً عن وجود العائلة قريبة من بعضها، يجد الناس راحة في التعامل مع المجتمع حولهم.
يقول موي جي، 66 عاماً، والذي يعيش في كولواني منذ مولده: "جيراننا هم أصدقاء العمر الذين نعرفهم منذ الطفولة، إنها حياة بسيطة جداً، لكنني أعتقد أن السعادة هي مفتاح طول العمر".
العمر الطويل هو أن تجد السعادة في الأشياء البسيطة
مازالت زوجة السيد تشان في الثمانين من عمرها، وتقول: "نعيش حياة بسيطة، أتناول طعاماً بسيطاً يتكون عادة من الخضار وبعض الأرز والسمك وقليل من اللحم".
طعام الإفطار يتكون عادة من خبز محمص مع الشاي أو القهوة، وتتطلع إلى قضاء عطلة نهاية الأسبوع مع أولادها عندما يأخذونها إلى اللقاء العائلي الأسبوعي، وتقضي يومها بينهم يتحدثون في أمور العائلة.
ترتدي تلك السيدة سواراً أخضرا خفيفاً حول معصمها، أهدته إليها ابنتها، والتي تقول الأم إنها تشعر بالطمأنينة والهدوء في وجودها.
قضت السيدة تشان سني صباها في العناية بأولادها، ثم بأحفادها العشرة. ولم يعد أحفادها الآن بحاجة إلى تلك العناية بعد أن أصبحوا بالغين، لذا فانها تقضي معظم وقتها تلعب قرب الشاطيء مع صديقة عمرها.
وفي كل ليلة تراها مع زوجها يسيران على الشاطيء، أو يتعانقان على مقعد خشبي في الحديقة ويستمتعان بمنظر البحر.
يقول السيد تشان: "عليك أن تتعلم كيف لا تكتئب ولا تقلق، وأن تبقى متفائلاً. إن لم تكن متزوجاً فابحث لك عن شريك حياة بسرعة. عندما يكون لك شريك حياة، فإنك تجد من تتحدث إليه وتناقش معه أمور الحياة. كما أن الحمام الساخن له أثر كبير في راحتك النفسية. ابتعد عن الاستحمام بالماء البارد لكي لا تمرض، هكذا بكل بساطة".
هذه الحياة البسيطة تتخلل كافة جوانب الحياة في قرية كولواني. ليس هناك حاجة للاستعجال أو أن تكون أسير التكنولوجيا. وبالتأكيد، ليس هناك مبان شاهقة، على الأقل حتى الآن. في شبة الجزيرة الرئيسية تلك، تعج الحدائق بمظاهر الحياة عندما تشارك عشرات النساء في التمارين الرياضية أو في الرقص الجماعي.
وفي الجهة المقابلة من الحديقة، تجد الرجال يلعبون الشطرنج، ويطالعون الصحف أو يصطحبون طيورهم وهي في أقفاصها في نزهة صباحية.
قد لا تكون تلك مؤشرات علمية، لكن بالمزج بين الوجبات البسيطة، والشعور بدفء العلاقات الاجتماعية، والقيم العائلية، وكثير من الرياضة، ستكون لديك وصفة ماكاو الخاصة لحياة أطول.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Travel.