يُضاعِف تردّي حال المستشفيات في موريتانيا معاناة المرضى وذويهم، الذين يتنقلون من مستشفى إلى آخر بحثاً عن سرير شاغر أو طبيب متخصص. والأمر لا يقتصر على المدن الصغيرة والقرى، إنما هي حال تكاد تطاول جميع المدن الموريتانية. ويتكبد المرضى معاناة إضافية بحثاً عن طريقة لتلقي العلاج في ظل غياب الرقابة وضعف الاعتمادات المالية المخصصة للمستشفيات.
وتكشف حال المستشفيات الفوضى والفساد اللذين تعاني منهما الإدارات الموريتانية بأكثرها، في حين أن السكوت عليها يكشف تواطؤ المسؤولين مع الأطباء لدفع الناس إلى العيادات الخاصة التي يستثمر فيها كبار الأطباء والمسؤولين عن المستشفيات العامة.
في جولة لـ"العربي الجديد" على المستشفيات العامة في البلاد، تبيّن لنا أنها تعاني من الإهمال، نظراً لغياب رقابة إدارية صارمة عليها، بالإضافة إلى نقص في المعدات الطبية، بالرغم من الميزانيات الكبيرة التي تُرصد لهذا القطاع. ويكشف عاملون في المستشفيات العامة في العاصمة تعطل أجهزة أساسية، إلى جانب معاناة أقسام الإنعاش من نقص في أسطوانات الأكسجين مثلاً وتعطل بعض الأجهزة المهمة.
إلى ذلك، لا يمكن تفويت طوابير المراجعين أمام المنشآت الصحية، في حين تطول قائمة المرضى الذين ينتظرون دورهم للخضوع إلى عمليات جراحية. هي عشرات الحالات، وأكثرها لا يحتمل الانتظار، لا سيّما أن بعضها حالات حرجة تحتاج إلى تدخل جراحي عاجل. أما في أقسام الطوارئ، فطوابير من المرضى أيضاً، يلجأ بعضهم إلى الواسطة للفوز باستشارة طبية.
سعيد ولد سويدي، عامل، كان ينتظر دوره لإجراء فحص بالأشعة في مستشفى العاصمة الرئيسي. يشتكي من عدم كفاءة الطاقم الطبي في المستشفيات الحكومية، قائلاً إن "أكثر الأطباء العاملين هنا ما زالوا يتابعون دراستهم. أما الأطباء الرئيسيون، فإنهم لا يداومون إلا نادراً ويمضون أكثر وقتهم في عياداتهم الخاصة". يضيف أن "أكثر المراجعين يحاولون تجاوز من يسبقهم في الطابور، من خلال دفع رشاوى للممرضين. أما أقارب المدير والأطباء فإنهم لا ينتظرون دورهم ولا يسددون بدل تذكرة الفحص ولا تكاليف التحاليل والأشعة. وأكثر من يعاني، هم سكان المناطق البعيدة والبدو الذين يجدون صعوبة في فهم ما يدور حولهم ويستغرقهم الأمر فترة من الزمن قبل التكيّف".
فاطمة بنت عينينا، ربة بيت، كانت تنتظر أمام الباب الرئيسي لإدخال شقيقتها إلى قاعة الفحص. تقول إن "المرضى وذويهم يمضون وقتهم في البحث عن موظفين وممرضين وأطباء، لإنجاز المعاملات الإدارية أو لإجراء كشف طبي. تارة نبحث عن الطبيب الذي خرج إلى المطعم، وطوراً عن الممرض الذي ترك مكتبه وخرج للتدخين. أما الموظفون، فهم في الغالب غائبون، والحاضر منهم في خدمة من يدفع أكثر". بالنسبة إلى فاطمة، "من يقصد المستشفى الرئيسي تتفاقم حالته المرضية، بسبب ما يراه من إهمال وتقصير وفساد".
أما قسم الأطفال في المستشفى الرئيسي في العاصمة، فيبدو حاله أسوأ من الأقسام الأخرى، بسبب غياب فرق المداومة ليلاً وفي العطل الأسبوعية. وإذا كان المرضى البالغون قادرين على تحمل الألم والانتظار، فإن الصغار غير قادرين على ذلك.
إذاً، الأطفال هم الشريحة التي تعاني أكثر من سواها من تردي وضع المستشفى المركزي الذي أنشئ في عام 1989 والذي تصل طاقته الاستيعابية إلى 430 سريراً.
ويتجرّع الآباء مرارة كبيرة وهم يحملون أبناءهم باحثين عمن يرشدهم إلى طبيب، في أوقات لا يعمل فيها إلا قلة من الممرضين. من بين هؤلاء أحمد ولد سعد بوه، الذي أمضى نحو ساعة ينتظر الطبيب المسؤول عن قسم الأنف والحنجرة لعلاج ابنه المريض. يقول إن "المواطنين لا يستفيدون من المنشآت الصحية التي تموّل من قبل دافعي الضرائب، لأن الفساد ينخرها. والبعض يصبر على مرضه، بينما يتمكّن قليلون من اللجوء إلى مستشفيات خاصة توفّر العناية والرعاية على مدار الساعة".
ويشدّد ولد سعد بوه على أن "الأمر يصبح أخطر حين يتعلق بالأطفال. لا يمكن تجاهل المرض ولا انتظار الدور ولا التماس العذر للطبيب الذي لا يداوم إلا يومين في الأسبوع. هذا الوضع لا يمكن السكوت عنه، ومحاربته مسؤولية جميع المراجعين المتضررين مما يحدث في المستشفيات".
إلى ذلك يقول الباحث الاجتماعي أحمد ولد السالك لـ"العربي الجديد" إن "فساد الإدارة وغياب التوجيه والرقابة يؤديان بالمستشفيات الموريتانية إلى هذه الحالة التي تودي بحياة المرضى، وتدفع كثيرين إلى العلاج التقليدي، أو ترقّب قرار العلاج في الخارج على نفقة الدولة". ويوضح أنه "في ظل غياب أي دور للجنة المراقبة، وعدم تبليغ المواطنين عما يحدث في المستشفيات الحكومية، يظل الوضع صعباً ويؤثر سلباً على نشاط قطاع حيوي ومهم".
ويطالب ولد السالك "الدولة والمجتمع بتحمل المسؤولية ومحاربة الخلل الذي تعاني منه المستشفيات العامة، من خلال محاربة الفساد والواسطة وغياب الموظفين، ووضع قوانين صارمة لمنع الأطباء والممرضين من الخلط بين العمل في القطاعين العام والخاص".