في العصر الحديث ازدادت متلطبات تربية الأبناء صعوبة سواء، من الناحية الصحية أو العلمية أو الأخلاقية، نظرا لتزاحم المشوشات وتسلل الأمراض وانتشار العاهات. وتزايدت دواعي الانحراف مما دفع بغالبية الأسر إلى تحديد نسلها في ولدين أو ثلاثة، لتتمكن من تربيتهم وعلاجهم وتعليمهم على أحسن وجه، ليكونوا أعضاء فاعلين وصالحين ومنسجمين مع المجتمع.
ولكي لا يزيدوا نسبة الأميين والمرضى والمعاقين في البلد، بل إن كثيرا من الدول أصبحت تفرض تحديد النسل بقوة القانون، كما نشاهد في جمهورية الصين الشعبية التي تعاقب الأسرة التي تنجب أكثر من طفل واحد. وفي الآونة الأخيرة، والتي أصبح الأطفال عرضة للتجنيد في المنظمات الإجرامية والارهابية، ازدادت خطورة إنجاب الأسرة لحفنة من الأبناء لا يستطيعون السيطرة على تربيتهم وعلاجهم وتعليمهم وضبط سلوكهم، وقد تنبه المجتمع الموريتاني في السنوات الأخيرة لهذا الامر، خصوصا في المدن والأوساط الحضرية.
غير أن شرائح المجتمع الأكثر هشاشة لازالت في غالبيتها لم تنتبه لهذا الامر، فإذا ما استثنينا بعض النخب من أطر وأساتذة كبار، نجد أن البقية تطلق العنان للإنجاب بلا حدود غير مكترثة بما ينجم عن ذلك من ضياع للابناء وانتشار العاهات والامراض بينهم فضلا عن الجهل وضعف النفسيات، فنجد الأسرة الواحدة، والتي لا دخل لها أو دخلها محدود للغاية، تنجب العشرة والعشرين ولدا، وكثيرا ما تكون أسرة كهذه تسكن في بيت متواضع يتكون من كوخ أو كوخين في أفضل الأحوال؛ والمجتمع في حالة صمت عن هذه الظاهرة التي هي نتيجة لممارسات متخلفة من شأنها أن تعرقل نمو الدولة وتزيد فيها عاما بعد عام نسبة الأميين والمنحرفين والمرضى.
إن من يظن أن مجرد زيادة النسمات، ولو كانت هذه النسمات أمية ومريضة ومنحرفة، يعطي وزنا ديموغرافيا لمجموعة أو شريحة معينة يكون غبيا وأبلها، والحقيقة أن هؤلاء المرضى والجهلة والمنحرفين يمثلون إضعافا للشريحة التي ينتمون لها وتآكلا من الداخل، فالمرضى والجهلة والمعاقين والمنحرفين لا تبنى بهم المجتمعات والدول، بل هم عبئ ومعول هدم لشرائحهم ومجتمعهم ودولهم. إنما نشاهده اليوم من فقر وسوء تغذية وتسرب مدرسي في شريحة بعينها، ويسميه البعض آثار ومخلفات الاسترقاق هو في الحقيقة آثار ومخلفات هذه الممارسات المتخلفة وغير المسؤولة، فمن ينجب عشرة أو عشرين ولدا، وهو لا يملك غير كوخ أو كوخين ودخله محدود أو معدوم، هو من استرق ابناءه وحكم عليهم بالجهل والمرض والضياع والانحراف، وهو من أخر نمو الدولة والمجتمع وزاد فيه نسبة الأمية والجهل والمرض والاعاقة والجريمة والإرهاب والانحراف.
فواجب النخب أن والمثقفين أن يدقوا ناقوس الخطر ويصرخوا في وجه المتلاعبين بمستقبل الأبناء والبراعم ويقولوا بصوت عال لمن أنجب من الأبناء ما لا يملك مسكنه ومأكله ومشربه وتعليمه، إنه استعبادي واسترقاقي.
احمد ولد يسلم