إن الفكر الداعشي الذي تغول هــذه الأيام يؤكد بدون ريب علي أن الثقافة العربية -التي هي الحاضن الرئيسي لذالك الفكر- باتت تعني أزمة حقيقية من الصعب والملح في نفس الوقت إيجاد حلول جذرية لها بما في ذلك جرد الأرضية الفكرية التي يتكئ عـليها والمتمثلة في الفهم الديني المتشدد إضافة لتجفيف منابع الاحتقان الاجتماعي المتمركزة في العسف السياسي الذي عادة ما يكون أداة لتغطية الحيف الاقتصادي و الاقــصاء الطائفي ويمكن أيــضا زيادة ما سبق بعامل آخر له دوره الفاعل ألا وهو استشراء الأمية المعرفية في صفوف القاعدة الشعبية واستحفال المحسوبية السياسية بين طيف عريض من النخبة المتنفذة هذه بايجاز هي المداخل الأولية التي لابد من الـمرور بها لمن يبغي مقاربة جدية لاحتواء الـفكر المتطرف والذي تشكل داعش اليوم نموذجه الــصارخ والأكثر جاذبية لدي الشباب العربي المحاصر بين سندان الدين ومطرقة السياسة أما عن الحلول العسكرية السياسية فإنه من المفروض - لكي لا تؤدي إلي نتيجة عكسية - أن يتم اللجوء إليها في آخر المطاف بعد إغلاق الطريق على الحجج التي يتذرع بها أصحاب ذلـك المنزع والتي لا تعدم تعاطفا مقبولا من الجماهير الكادحة التي تعلق آمال التغير على كل معارض للنظام حتى ولو كان ممن يريد إغراق الــسفينة بالجميع . الشــيء الذي يعكس سذاجة هذه الجماهير وتقصير النخبة المثقفة والسلطة الحاكمة معا في توعية الشعب وتنمية الدولة . وبالنسبة للعامل الخارجي والذي تمثله القوى الغربية التي ضربها الإعصار الداعشي في عقر دارها - ورغم تعاطفنا الإنساني معـهـم - فـإننا نعتقد أن ردود الـفعل الرسمية والشعـبية الـصادرة تعـكس ضبابا واضحا نرجو أن لا يكون مـفتعلا في إدراك الموضوع وتسرعا غير ضروري في معالجة فكر عالمي امتدت جذوره لعقود مما يجعل الحل الأمني قليل الفائدة إذا تم البدء به قبل الحلول الأخرى وعديم النفع إذا تم الإكتفاء به وحده ومن المهم في هذا المجال الإشارة إلى أن استبعاد الدول الحاضنة للـظاهرة الداعشية من التحالف الحالي هو حكم علي جهود المجتمع الدولي بالفشل وعلي مؤسساته ورأسها الأمم المتحدة بالشلل وهو ما يبدو ان الدول الغربية - رغم وفرة أصحاب الرأي فيها - لم تستوعبه رغم صراعها المرير مع الإرهاب طيلة عقدين من الزمن فهل يا تري ذلك عائد إلي غباء سياسي ؟ أم إلي سيطرة اللوبي العسكري علي القرارات السيادية في دول تعتبر حتى الآن النموذج الأصلي للتجارب الديمقراطية الناجحة ؟ الله اعلم .