اينما تذهب في العاصمة الاردنية هذه الايام، في المطاعم، في دور الصحف، في اللقاءات الخاصة، في مكاتب الوزراء، حتى في سيارات التاكسي، فان السؤال الذي يتردد بقوة، ويسيطر على كل المحافل هو حول “الدولة الاسلامية”، وخليفتها ابو بكر البغدادي، وهل سينجح التحالف الدولي والاقليمي الذي يعكف الرئيس باراك اوباما على اقامته في احتوائها او القضاء عليها؟
في الاردن حالة قلق، بل حالة رعب من هذه الدولة، ومن الخطر الأكبر الذي تشكله، وهل ستصل جحافلها الى الاطراف ام الى العمق، وهل هناك خلايا نائمة، وهل سينضم الاردن الى التحالف الدولي لقتالها، وهل سيتم ذلك في السر، مثلما حصل في الحرب الامريكية في العراق عام 2003، ام ستكون هذه المشاركة معلنة.
التقيت خلال فترة اقامتي القصيرة في العاصمة الاردنية بعدد كبير من المسؤولين من الصف الاول، ورجال اعلام، ومفكرين، ودعاة، ومواطنين عاديين، وكنت مستمعا معظم الوقت، ولمست حالة من الانقسام تجاه هذه الظاهرة وكيفية التعاطي معها، مثلما كان هذا الانقسام واضحا حول تشخيص بيئتها الحاضنة، وكيفية صعودها بالصورة التي نراها حاليا، ولكن هناك قاسم مشترك بين الجميع عنوانه الابرز عدم التهوين بخطرها، وحجم قوتها، والاتفاق على انها ليست عابرة للحدود فقط، وانما للعقول ايضا، والشابة منها على وجه الخصوص.
القمة التي عقدها زعماء حلف “الناتو” في لندن يومي الخميس والجمعة الماضيين، كانت متابعة بشكل لصيق في الاردن لثلاثة اسباب رئيسية:
*الاول: انها ركزت في معظم جلساتها على خطر “الدولة الاسلامية” على المنطقة العربية والمصالح الغربية، وموازين القوى فيها.
*والثاني: انها تمخضت عن تحالف دولي من عشر دول بينها تركيا، على غرار التحالف الدولي الذي تأسس عام 1990 لاخراج القوات العراقية من الكويت عام 2003 لغزو العراق واحتلاله.
*الثالث: عقد الرئيس الامريكي اوباما لقائين مغلقين مع كل من رجب طيب اردوغان رئيس تركيا، والعاهل الاردني عبد الله الثاني، الاول كان متواجدا في اجتماع “الناتو” لان بلاده عضو فيه، والثاني دعي خصيصا، من دون الزعماء العرب الآخرين للقاء الرئيس الامريكي، رغم ان الاردن ليست عضوا في الحلف.
***
لقاء العاهل الاردني المغلق مع الرئيس الامريكي كانت له اصداء كبيرة في الاردن، واثارت العديد من الاستنتاجات ابرزها مشاركة الاردن بقوة في التحالف الاقليمي، او الشق الشرق اوسطي منه على وجه الخصوص، وارسال قوات الى العراق او سورية او الاثنين معا لقتال “الدولة الاسلامية”.
هذه التكهنات التي خرجت عن دائرة الهمس الى الحديث بأصوات اعلى في المجالس والمنتديات، دفعت السيد عبد الله النسور رئيس وزراء الاردن الى اطلاق تصريحات اكد فيها ان الاردن ليس من الدول العشر التي ستشارك في التحالف الذي اعلنه الرئيس اوباما، الامر الذي دفع بعض الصحف الى نشر مانشيتات على صفحاتها الاولى تقول ان الاردن لن يشارك في الحرب على “الدولة الاسلامية”، تماشيا مع الرأي العام الاردني الذي يعارض هذه المشاركة في معظمه، وهو الموقف الذي جسده بقوة صدور مذكرة وقع عليها 20 عضوا في مجلس النواب الاردني (البرلمان) تعارض بقوة هذه المشاركة لما تشكله من خطر على البلاد، ونشرت على مواقع التواصل الاجتماعي “والفيسبوك” خاصة، وايدها اكثر من 50 الفا في الساعات الاولى من نشرها.
الحكومة الاردنية سارعت الى اصدار بيان عبر وزير اعلامها السيد المومني اكدت فيه انها لن تكن مع تحالف الدول العشر الذي اعلنه الرئيس اوباما، ولكنها لم تقل انها ستنضم الى التحالف الاقليمي اذا ما طلب منها ذلك، ولكن حتى الآن لم تتلق طلبا في هذا الخصوص.
من المؤكد ان الوفد الامريكي الذي سيحط الرحال في المنطقة اليوم، ويضم كل من وزير الخارجية جون كيري ووزير الدفاع تشاك هيغل سيتقدم بهذا الطلب “المشاركة” الى الدول العربية التي سيزورها ومن بينها المملكة العربية السعودية ومصر والاردن والامارات العربية المتحدة وقطر.
فعندما يذهب الرئيس اوباما الى الكونغرس غداً حاملا تفاصيل استراتيجيته للقضاء على “الدولة الاسلامية”، فان هذا يعني انه يريد دعما ماليا وسياسيا ومعنويا لاعلان وشيك للحرب، لان موافقة الكونغرس هي المرحلة الاخيرة والضرورية للانخراط في حرب جديدة في منطقة الشرق الاوسط.
السلطات الاردنية تتجنب الحديث عن “الدولة لاسلامية” واطلاق يد الاعلام لنهش لحمها، وتكتفي بترك هذه المهمة لرجال دين سلفيين من المعارضين لقيامها واعلان زعيمها ابو بكر البغدادي خليفة، مثل الشيخ ابو محمد المقدسي والشيخ عمر “ابو قتادة” المعروفين بعدائهما لـ”الدولة الاسلامية” للتشكيك بشرعيتها وشرعية خلافتها.
سألت مسؤولا “كبيرا” في الحكومة الاردنية عن اسباب هذه “الهدنة” الاعلامية والسياسية تجاه “الدولة لاسلامية” فرد علي بتحفظ شديد، وبعد انتقاء كلماته بعناية، لاننا وبكل بساطة لا نريد “استفزازها”، وقال “نحن الآن نعمل على منع توفير الحاضنة الشعبية لها من خلال حملة للتوظيف لتقليص البطالة، وتحسين الخدمات، والقضاء على الفساد، وتخفيف معاناة المواطن”، ولكنه اعترف ان الامور تسير ببطىء، ولكن بثقة.
***
المعلومات المتداولة في الشارع الاردني تقول ان اجهزة الامن اعتقلت اكثر من 150 شابا بتهمة الانتماء او التعاطف مع فكر “الدولة لاسلامية” وايديولوجيتها، وانها تراقب عن كثب كل شخص يمكن ان يكون مشروع تجنيد في صفوفها وخلاياها النائمة.
المسؤول الاردني الكبير الذي التقيته قال انه يخشى ان يقوم تنظيم “الدولة الاسلامية” على تفجيرات في الاردن، وعندما قلت له ان هذا التنظيم مختلف في نهجه وممارساته وآليات عمله عن تنظيم “القاعدة ” فهو “دولة” لها جيش تعداده حوالي 75 الفا من المدربين والمسلحين بشكل جيد، والدولة تحتل او تستعيد ارض لتوسيع “امبراطوريتها” ولا تفجر، فرأيته يرفع حاجبيه استغرابا، ويصمت لحظة كأنه تعرض الى ضربة على رأسه.
باختصار شديد نقول في عجالة، ان الاردن يجد نفسه هذه الايام يقف امام اخطر التحديات التي تواجهه منذ اربعين عاما، والاهم من ذلك، عدم قدرته على المناورة او محاولة مسك العصا من الوسط، مثلما فعل امام التحدي السوري الاخير، وليس امامه اي خيار غير المشاركة سواء بارسال قوات ارضية او خاصة او تقديم خدمات استخباراتية، ومن غير المستبعد ان يقدم على هذه الخيارات مجتمعة واسرع مما يتوقع الكثيرون، وهذه مخاطرة كبيرة بالنظر الى النسيج المجتمعي الاردني، ووجود تأييد لـ”الدولة الاسلامية” في بعض الاوساط التي لم يتردد بعض شبابها على رفع علمها الاسود في شوارع بعض المدن.
احد الشيوخ البارزين المتعاطفين مع “الدولة الاسلامية” ويجاهر بشقيه الاقليمي والدولي، قال “هزمناهم في العراق وفي افغانستان، ولن يختلف الحال في المرة القادمة، والثالثة نابتة”، مثلما يقول المثل الشعبي.
نقلا عن صحيفة راي اليوم اللندنية