يثير القانون الجديد للجمعيات الذي أحالته الحكومة الموريتانية للبرلمان للمصادقة عليه جدلا واسعا بين من يرى أن القانون يسعى إلى احتكار العمل الخيري لهيئات محسوبة على الحكومة ومنع الجمعيات التي لها باع طويل في هذا المجال من العمل، وبين من يرى أنه جاء لتنظيم عمل الجمعيات الذي يعرف فوضى كبيرة ويتخذه البعض واجهة للدعاية السياسية وأسلوبا لجمع المال من خلال التبرعات.
ويلغي مشروع القانون الجديد الذي ينظم عمل الجمعيات والهيئات وشبكات الجمعيات، القانون الصادر عام 1964، وتتناول مواده بالتفصيل تعريف الجمعيات والشروط المطلوبة لترخيصها، وأصناف الجمعيات، والعوائق التي تؤدي إلى سحب التراخيص.
وتعتبر الاشتراطات المالية التي يفرضها القانون الجديد على الجمعيات نقطة الخلاف الرئيسية بين الحكومة وجمعيات المجتمع المدني التي تتهم الحكومة بسن القانون لتأميم العمل الخيري، ويشترط القانون الجديد تخصيص أملاك خالصة للجمعية أو الهيئة لا تقل قيمتها عن مبلغ 30 مليون أوقية (دولار واحد يساوي 320 أوقية)، فيما يرتفع المبلغ في على الأشخاص الاعتباريين إلى 100 مليون أوقية، وهو ما اعتبره الكثيرون تعجيزا للفاعلين والراغبين في إنشاء جمعيات خيرية.
وتسبب الجدل الدائر حوله في اتخاذ البرلمان الموريتاني قرارا بتأجيل مناقشته، وذلك بطلب من نواب المعارضة، وبرر البرلمان قرار التأجيل بإتاحة فرصة أكثر للنواب من أجل الاطلاع بشكل مفصل على تفاصيل القانون الذي أثار ضجة واسعة منذ أن أعلنت الحكومة عزمها إحالته للبرلمان للمصادقة عليه.
وقال محمد أحمد ولد السالك، الأمين العام للكونفيدرالية الوطنية للشغيلة إن هناك ضبابية الفروق بين الجمعية والهيئة ذات النفع العام، حيث إن المشرع حاول التفريق بينهما دون حدود واضحة المعالم، سوى اشتراط تخصيص هبات وأملاك بشكل لا رجعة فيه للهيئة حدها الأدنى 30 مليون أوقية، واشتراط استمرارية الجمعية لعامين حتى تمنح صفة النفع العام من طرف الحكومة.
وأضاف أن القانون يفتقر إلى معايير واضحة لتصنيف الهيئات والجمعيات بما يمكن من تعيين ممثليها بشكل شفاف في الهيئات الوطنية، حتى لا يظل المنتدبون عنها خاضعين لمزاج الحكومة، وهو ما جعل منح صفة النفع العام تقديرا حكوميا دون معايير.
وطالب بمراجعة القانون بحيث يعتمد فيه مبدأ التصريح وليس الترخيص، ووضع معايير سنوية واضحة لتصنيف الهيئات والجمعيات، وإتاحة فرصة كافية من الوقت لتقديم التقارير الدورية عن الأنشطة والتمويلات.
وتدافع الحكومة بقوة عن القانون الجديد، وتعتبر أن القانون الحالي الصادر عام 1964 لم يعد يستجيب لمستوى الأدوار التنموية والحقوقية والإنسانية المتعددة التي أصبحت تلعبها هيئات المجتمع المدني المختلفة.
وأكدت أنه تم تنظيم مشاورات شملت نشطاء المجتمع المدني ومختلف المعنيين، سعيا إلى إعداد قانون جديد للمجتمع المدني يتميز بالشفافية والتشاركية إلى أبعد الحلول، كما تمت الاستجابة لطلبات ممثلي المجتمع المدني بخصوص استصدار هذا القانون، وتم اكتتاب خبير لتنقيح مسودة مشروعه على أن يتشاور مع كافة الأطراف والجهات المعنية من قريب أو بعيد بالقانون الجديد، سواء في المجتمع المدني أو في الحكومة.