عندما تسمع طاغيةً مصابًا بجنون العظمة يتبنى نظريات غريبة، فإنك غالبًا ما تقول لنفسك: “من المؤكد أن هذا الخطاب هو للاستهلاك العام، ولخدمة أهداف سياسية. من المستحيل أنّه يقول هذه الأشياء عندما لا يكون أمام الكاميرات … هل من الممكن أن يفعل ذلك؟”.
في حالة صدام حسين، اتضح أنه كان في وسعه فعل هذا، وقد فعله. حيث أظهرت دراسة جديدة للأشرطة الخاصة بالديكتاتور العراقي فرقًا صغيرًا جدًّا ولا يذكر بين خطابه العام، وما كان يقوله وراء الأبواب المغلقة.
وتحتوي هذه الأشرطة، التي اكتشفتها القوات الأمريكية بعد وقت قصير من غزو العراق في عام 2003، على آلاف التسجيلات الصوتية لاجتماعات خاصة، ومحادثات هاتفية، بين صدام حسين والمسؤولين العراقيين.
وجمع الباحثون الأمريكيون الذين قاموا بالدراسة، ونشروا نتائجها لأول مرة في العدد الأخير من مجلة البحوث والسياسة البريطانية، الخطب والمقابلات العامة التي تكلم فيها صدام عن الشؤون الدولية بين عامي 1977 و2000، وأنتجوا قاعدة بيانات مكونة من 330 ألف كلمة قالها الرئيس العراقي السابق، وهو ما يشكل كنزًا من المعلومات بالنسبة للمهتمين بدراسة هذه المرحلة من تاريخ العراق والشرق الأوسط.
وتغطي الخطب والمقابلات هذه قضايا الأمن القومي، مثل الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج الأولى، وعقوبات الأمم المتحدة، وكذلك علاقات صدام مع أعدائه، مثل الولايات المتحدة، وإسرائيل، وإيران.
ووجد الباحثون أن معتقدات الرئيس العراقي السابق العامة والخاصة بقيت ثابتة تقريبًا في جميع البيانات التي تم فحصها، وبأن آرائه ومعتقداته الخاصة بشأن الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل، كانت دائمًا متناسقة ومطابقة لنظرته التي أعلن عنها في خطابه العام.
وكان الفرق الوحيد بين ما قاله صدام حسين في العلن، وبين ما قاله في السر ضمن اجتماعاته الخاصة مع مسؤوليه، وفقًا لما لاحظ الباحثون، متعلقًا بعدوه الإسرائيلي. في الغرف المغلقة، كان صدام يعرض في بعض الأحيان وجهة نظر أكثر تعقيدًا ودقة تجاه الشؤون الدولية، وعلى سبيل المثال، كان يعترف بامتلاك العراق لقدرة أقل فيما يخص السيطرة على الإجراءات الإسرائيلية، بالمقارنة مع ما قاله في العلن.
أقلام