ليس هجوما عاديا ذلك الذى حدث فى العاصمة البوركينابية "وغادوغو" مساء الجمعة 15 يناير 2016، لا من حيث من الشكل أو التوقيت أو انتقاء الضحايا أو الآثار المتوقعة لحادث بالغ الخطورة والتعقيد. لقد ظهرت الدولة الإفريقية المزهوة بمسارها الديمقراطي الهش وهى غارقة فى الخوف والرعب تتلمس ذاتها خلف حجب الدخان المتصاعدة من شارع "أكوامى نيكروما" بعد أن فقدت قوتها الناعمة وأبرز صناع الفكر فيها بفعل الصراع السياسي وعكرت صفوها قوافل الموت القادمة من الشرق. كان الجميع يدرك صبيحة الرابع عشر من يناير 2016 أن مراهقى "بوركينا فاسو" اوغلوا فى استفزاز الجيران من خلال مذكرة التوقيف المفاجئة لرئيس مجلس النواب فى ساحل العاج "غيم سورو"، رجل الشمال القوي، وأحد أهم رجال المنطقة خلال العشرية الأخيرة، فى ظل وضع اقليمي معقد، يحتاج إلى تضافر الجهود لمواجهة المخاطر بدل دق إسفين الفتنة وركوب موجة المزايدات من أجل حصد مكاسب آنية لبعض الأفراد والأحزاب داخل الساحة البوركينابية. لقد كشف الرئيس البوركينابي "كابوري" بقراراته المستفزة ظهر بلاده، مفضلا مشاعر "الغوغاء" الساعين للانتقام بدل التصرف كرجل دولة يتقن فن تسيير الأزمات وتجاوز أخطاء الماضى ومظالمه والتعالى على الجراح مهما كانت ثقيلة. لقد ساهم الرجل عن قصد فى تأجيج مشاعر الكراهية ضد بلده بعد أن اعتقل الرجل المقبول فى الشارع "جبريل باسولي" وطارد الرئيس المعزول "ابليس كومباوري" حتى بعد رحيله عن البلد، وقرر الدخول فى مهاترات سياسية غير مفوهمة مع العاجيين شعارها الإنتقام للأموات دون الاهتمام بمصالح الأحياء. إنها البيئة الملائمة لتنظيم مثل القاعدة فى المغرب الإسلامي يعرف كيف يصطاد ضحاياه بكل قوة وسرعة، إنها بالفعل لحظة مأساوية يدفع ثمنها أبرياء ذنبهم الوحيد وجودهم صدفة فى بلد بلا رئيس حكيم، واصطيادهم من طرف تنظيم يستثمر فى الموت أكثر مما يستثمر فى الحياة. لقد ظهر "ثوار"بوركينافاسو وهم يهتفون فى الشوارع للحرية ويغازلون المستعمر الفرنسى فى الوقت ذاته، وكانت لحظة اجهاض الانقلاب العسكرى الثانى بقيادة الجنرال جيلبرت دينديري لحظة كاشفة لمستوى التفكير الذى آلت إليه أوضاع البوركينابيين خلال الفترة الأخيرة، لقد اعتقل الرجل وعذب وأهينت كرامته وتم العبث بجنوده، وتعزيز الشرح الاجتماعي والعرقى فى البلاد بتغييبه، ولكن "الثوار" بالغوا فى العبث باستقرار البلد متهمين الرجل بأنه واجهة لعمل جماعات ارهابية تنشط فى الصحراء المالية وتتخذ من العنف وسيلة لتحقيق مآربها، فى مغازلة فجة للنخبة العسكرية الفرنسية المتورطة فى الشمال المالى، وخروجا من معادلة التحييد التى رسم خيوطها مستشار الرئيس السابق المصطفى ولد الإمام الشافعى دون تقديم بديل مقنع أو تثبيت الوضع الأمنى الهش، لقد كان صغار الفاعلين فى المشهد يمزقون خيوط الهدوء باستمرار دون الانتباه لمآلات الأمور. صحيح أن القاعدة وأخواتها بالمنطقة لايهتمون كثيرا بالمشهد الداخلى وتعقيداته، لكنهم دون شك أكثر مستفيد من ضعف الجبهة الداخلية، وأكثر مستغل فى الوقت الحاضر للخلافات القائمة بين مجمل القوى الفاعلة فى المنطقة من أجل تمرير مخططاتهم وتنفيذ أجندتهم بكل يسر وسهولة، لقد نجحوا هذا المساء فى تحويل بوركينا فاسو من مصدر الهام للقارة السمراء ونقطة تواصل مع مكامن الخوف في مالى، إلى جحيم يكتوي بناره زوار البلد وسكانه بعد أن كانت واحة استقرار وأمن، إنها الخسارة التى جلبها "ثوار فرنسا" ومغامرات بعض سياسييها الجدد!. سيد أحمد ولد باب / كاتب صحفي