ليسامحني في البدء أولئك الذين أصبح ذكر العقيد "عمر ولد ابيبكر" يسبب لهم حساسية مفرطة؛ تشكل حاجزا سميكا دون نقاش آرائه..! ليسامحوني ﻷنني أرغب - دائما - في استعراض اﻵراء واﻷفكار؛ دون أن أكون معنيا بمصادرها.. ورغم انه لا صلة لي بالرجل - بالمطلق - أي شكل من أشكال الصلة؛ فإن "الشهادات" التي أدلى بها بعض العارفين به - خلال الجدل الكبير الذي أثارته نقاشاته التاريخية والاجتماعية.. اﻷخيرة - بلورت في مجملها رأيا لي حول الرجل؛ الذي بدا لي نشازا من "العسكريين" في وعيه، وفي جرأته، وفي حسه الوطني..! وقبل الولوج إلى الموضوع أنبه أولئك "الحساسين" حد اﻹفراط إلى أن "ولد ابيبكر" لم يحمل سيفا ولا سوطا، ولا مارس الحرابة.. استعرض آراء، وعززها بمعطيات ووثائق.. ومن اﻹنصاف والشرف أن نواجهه بسلاحه؛ أما القفز والتدثر وراء أكمة من السباب والشتم والقذع؛ فلا يعدو صنفا جديدا وبائسا من أصناف التولي يوم الزحف..!!!
إن الذين أثارهم كلام العقيد اﻷخير عن اللغة عبروا (بتخفيف الباء) من ذات المعبر الذي انطلق منه مهندسوا وصانعوا أعداء اللغة العربية هناك..! كل تاريخ الزنوج الموريتانيين في ذلك الركن مكتوب باللغة العربية، وكل معارفهم؛ بل كل ثقافتهم العالمة دونت بحروف عربية ناعمة.. وحين أطبق الاستعمار ولغته على المنطقة؛ ظل صوت مقرئيهم وأئمتهم وعلمائهم نديا بمفردات الضاد؛ إلا أن دعوة "التعريب" اللاحقة، والتي قادها قوميون شيفونيون؛ يرفضون "اﻵخر" بينهم؛ ولا وزن لديهم لمفهوم "المواطنة" وما صاحب تلك الدعوة "النتنة" من مسلكيات وممارسات عنصرية ظالمة؛ اكتوت بها تلك الشرائح في السنوات 90/89/88/87 السوداء؛ وما انجر عنها - لاحقا - من إقصاء وتهميش هي التي غيرت رؤية الزنوج الموريتانيين للغة العربية ولدعاتها؛ لتصبح في نظرهم لا تعدو "قالبا" سخيفا لتلك الفلسفة البغيضة..! ونكون أنانيين وساديين جدا حين نطلب منهم أن يتمنوا أو يسعوا إلى عودة تلك السنوات الطوال العجاف..!
أما ربط اﻹسلام باللغة العربية؛ فليس إلا راسبا من رواسب ثقافة "اﻷنا" تلك اﻹقصائية.. اﻹسلام عقائد ومسلكيات؛ لا سلطة للغة عليها؛ فاللغة العربية ليست شرطا في اﻹسلام..! أعتقد أننا اليوم بحاجة إلى التروي قليلا؛ لمراجعة جزء من تاريخنا القريب؛ والاحتكام إلى العقل بعيدا عن العاطفة المبالغ فيها..
اللغة العربية لغتنا (نحن الناطقين بها) نحبها ونفخر بها؛ ليس استعراضا ولا تكتيكا؛ فليس هناك من هو أقرب إليها منا؛ حتى نتقرب له بالتشبث بها؛ لكن هذه اللغة شوهها دعاتها؛ حين حاولوا أن يستعيضوا بها - في مجتمع متعدد اﻷعراق - عن مفهوم المواطنة..! من هنا فإن عناصر "المواطنة" التي تمثل الخيط الرابط بيننا كموريتانيين لا تدخل اللغة فيها بأي وجه من اﻷوجه في اﻷصل؛ والخوض في ذلك الجدل نكؤ لجراح غائرة؛ لما تندمل.. جراح إخوة لنا ظلمناهم؛ نعم ظلمناهم؛ ﻷن الدولة التي تجمعنا ظلمتهم وسكتنا.. ونحن الذين نسير المسيرات ﻷتفه اﻷسباب.. هل خرجت مظاهرات "عربية" واحدة تطالب بالتحقيق في إعدامات الثمانينات والتسعينات ومصادرة الممتلكات والتسريح من الوظائف..!