هل يستقيم حال البلد في ظل استفحال ظاهرة التعاطي القبلي السلبي إحياء في النفوس و عملا هداما في الواقع المعيش؟
و هل يظل الحال على ما هو عليه بفعل تقاعس كل النخب عن مسؤولياتها التاريخية بعد أزيد من نصف قرن من الاستقلال و تنامي:
ـ الشرائحية الغاضبة من غصة في الحلق،
ـ و الإثنية الساخطة من خلط للأوراق،
ـ و الارستقراطية الفكرية المقيدة بطقوسية الماضوية المزمنة،
ـ و هوان البلد على الجميع في غفلة مرضية عن ما قد يترتب على الانحسار البادي و جفاء العقلانية القائم و الاستعصاء المزمن على املاءات العصر التنويرية و قد أصلحت شأن أمم و بنت صروح دول حتى عانقت العدل الاجتماعي و أخذت بتوازنات الاستقرار؟
بالطبع ليست الدولة وحدها التي تتحمل وزر ذلك إذ كل ما تقدم ذكره هو وقودها الذي تُزودها به للحراك نُخَبُها السياسية و الثقافية و العلمية و أعيانُ مجتمعها تُشاركها به و في كل مفاصلها لتبقى الأمور تراوح مكانها و كأن ذالك هو مبلغ طموحها و مربط فرس رهان حراكها.
و لإن كان من يرى في تعرية الوضع بهذا الشكل تناقضا مع مقتضيات الوعي ببطلانه فإنه بوجه آخر هو من يغالط من باب إنكار ما يدرك و يقبل و يعيش.
أوليس من يكرس هذه المفاهيم إلا ذاك الذي يتعرف على كل شخص يجري تعيينه بالاستفهام عن قبيلته أو شريحته أو إثنيته دون عناء طرح السؤال عن مؤهلاته و تجربته و مستوى عطائه و العلامات البارزة لشخصيته، مكرسا و موازنا دخوله حيز المسؤولية المدرة بخروج آخر من طينته الانتمائية الضيقة حصولا على للتعويض الذي يندرج في حيز الديمومة؟
و بماذا يمكن أو بالأحرى يجب تفسير ظاهرة الاعتزاز المفرط و السلبي بالانتماء القبلي بعيدا عن مشروعية ذاك الزهو بـ"الأصول" القبلية في مفهومها القرآني الذي يقود إلى الفضيلة التي تبعد عن التفكير بأنانية و تحض على التمسك بالمسؤوليات في الحفاظ على الوطن؟ ظاهرة أقل أوجهها قبحا و إيلاما أن يرى شخص لا يكاد يقوى من ضعف على الاستواء في نعليه المتهرئين و تحت أثواب رثة من فاقة تفوح منها رائحة القبلية المزمنة يتمايل طربا و يتباهى بحمية جاهلية صارخة دون تردد و يعلنها صراحة "لن يكوى في قبيلته جبين من خروج عن دائرة المسؤوليات الكبرى في الدولة إلا لتنطلق الأنوار مضيئة جبينا آخر، و مضيفا لأن أضواءهم لا تنطفئ و مراكزهم لا تلبى و لا تنقطع.
أو ليس هذا أفضح التعصب للقبيلة والقبلية الذي لا يخفى على متأمل تُتبع فيه الأساليب و الوسائل المختلفة التي منها مناصرة أبناء القبيلة لبعضهم والتستر عليهم في قضايا اختلاس الأموال العمومية و الاتجار في الممنوعات و التهريب و المخدرات و القضايا الأمنية حتى و كلها أمور في غاية الخطورة إذا ما تم إهمالها و عدم أخذها بالحسبان عند النظر إلى هذا الإشكال الذي يخالف كل قواعد دولة "القانون للجميع" و المواطنة التي تلعب فيها وحدها الكفاءات العلمية و السياسية و الاجتماعية دور البناء و تشكل صمام الأمان.
أو لا يحتم وضع كهذا السعي الحثيث بعزم لا يلين و شجاعة مبتكرة وأدها ظاهرة مدمرة حتى لا تظل تقطع الطريق على مسار البلد إلى دولة العدل و المساواة و المواطنة و الديمقراطية؟
و هل ليس كذلك من لا يسعى إلى هذا إلا الذي يبغيها عوجا؟
الكاتب الولي ولد سيدي هيبه