في كل يوم تزداد وتيرة التصاعد وتتسع دائرة التحديات الأمنية في المحيط القريب والبعيد عنا، وفى كل يوم تتعقد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى المناخية في العالم من حولنا، ومن الأكيد أن لذلك ارتدادات وتأثيرات على بلدان كثيرة من فصيلتنا ومن غيرها ومن دول كانت أقوى وأقدر مناّ، و الأمثلة حية وكثيرة لمن يلقى سمعه أو يرى بعينيه من دون خصام أو جدال، فلم تسلم دول عتيدة وقوية تمتلك من القدرات والإمكانات ما يجعلها قادرة على رفع التحديات التي هددتها لكنها فشلت أو تم إفشالها بفعل أسباب كثيرة منها ما هو معلوم ومنها ما هو مجهول وإن كان أبسطها الرتابة و التثاقل وعدم الاستقراء الجيد لتفاعلات الواقع وما قد يترتب على ذلك من متغيرات قد تتهيأ ظروف التعبير عنها بفعل تراكم داخلي و آخر خارجي، والسبيل الوحيد للوقوف أمام كلِّ ذلك هو حضور الهمة الدافعة والوعي بأهمية الخطوات الإستباقية المدروسة والقائمة على منطق ألاّ غالب ولا مغلوب.
لقد تحولت هذه الدول من دول لها حظوة ومكانة وتعيش وضعا أمنيا واقتصاديا واجتماعيا مريحا إلى دول فاشلة تحكمها العصابات والمليشيات وجمع من القوى المتطرفة والمافوية مما فتح الباب لنهب ثرواتها وانتشار الفساد الفاحش في مفاصلها وأصبحت الكلمة الفصل فيها لمن يمتلك قوة مدججة على الأرض ولم يعد للدولة من مفهوم ولا دور كناظم مركزي وقد جرى كل ذلك تحت شعار الثورة والتغيير والحرية..
إن حالة الهرج والمرج التي تعيشها دول وأقاليم قريبة وبعيدة منا؛ أسبابها متعددة ومتباينة، منها ما هو سياسي ومنها ما هو اجتماعي واقتصادي ومنها ما هو أمنى ومنها ما هو مرتبط بنمط تكوينة المجتمع وتركبته ومنها ما يعود لغياب التواصل بين القوى الوطنية المشكلة للمشهد الجمعي حاكمة كانت أو معارضة ومن ذلك أيضا القطيعة ما بين انتلجنسيا المجتمع وصناع الرأي والقرار فيه . إننا جميعا وبدون استثناء مطالبون بالمساهمة في رفع التحديات عن بلادنا ومطالبون أكثر من ذلك بتأسيس إجماع وطني يساهم في تعزيز لحمتنا ويقوى من أركان دولتنا ويؤمننا من تأثير الإهتزازات الأمنية في العالم من حولنا ومن أطماع الدول غير المعلنة ولا المحدودة و التي أتاح لها عصر الفوضى أن تتبلور أكثر من أي وقت مضى، إنه لم يعد هناك مسوغ لمنطق التمادي والتبرير والإستغفال والتحامل المتفشى فى طبقتنا السياسية بل أصبح لزاما عليها أن تتجاوز إشكالاتها فيما بينها وأن تبذل جهدا استثنائيا للدخول في مرحلة جديدة تعيد للممارسة السياسية صدقيتها وألقها وجاذبيتها لأن البديل عن السياسة هو الفراغ والفراغ هو أخطر البدائل التى تخلق الأرضية لكلِّ ما من شأنه أن يهدد الأمن والاستقرار.
إن كثافة وتنوع وسرعة التحولات التي تقع هنا وهناك تستدعى يقظة وتفاعلا إيجابيا ومواكبا من هرم السلطة أولا، مرورا بكل المستويات والمكونات الأخرى المشكلة للدولة سياسيا وفكريا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وأمنيا لأجل التعجيل بوضع خارطة مجمع عليها ووضع قواعد صلبة للعمل المشترك والابتعاد عن كل ما من شأنه إثارة الصراع والعنف ونشر خطاب الكراهية، مما يتطلب تحقيق ضمانات كثيرة في مقدمتها العدالة من خلال إخضاع كل مواطني الدولة للقانون وتطبيق معايير الحكم الرشيد والمساءلة الموضوعية وزرع الثقة المتبادلة بين قوى المجتمع والإعتراف بما تم إنجازه من مشاريع هامة للنظام الحاكم وفى أكثر من مجال وتثمينها وعدم التنكر لها بفعل قوة الشحن السياسى الذى يكون على حساب الموضوعية ومن أهمها بالنسبة لى إصلاح الحالة المدنية وحرمة المال العام وبناء مؤسسات عسكرية قادرة على رفع التحديات وتشييد بنى تحتية ضرورية كمطار ام التونسى الدولى ووضع حد لبعض القضايا الحقوقية.إن عدم الإعتراف بقيام بعض الإصلاحات الهامة للنظام القائم فيه غبن وحيف وتجاف للحقيقة لكن ذلك لايعنى بالضرورة أنه قد أنجز كل شيئ بل لازالت هناك نواقص من المهم الإشارة إليها كلما دعت الضرورة .
إن العالم أصبح يدار من حولنا بمنطق الجماعة والشراكة وأصبح الحضور والـتأثير فيه يقاس بمنطق القدرة على تسيير الدول من دون احتكارلاللسلطة ولا للثروة لكنه قد جعل المعايير الديمقراطية هي الحكم والفيصل، واستمرارالصراع القائم بين نخبنا السياسية يعدعائقا كبيرا أمام بروز أي مشروع إصلاحى ولايساعد فى رفع التحديات التي تواجه أية عملية إصلاحية يراد القيام بها ..إنها نقطة ضعف سياسية كبيرة نتيجتها. استمرارالضغط والإلغاءوالإستقواء...
محمدسالم ولدالداه
مدير مركز للدراسات