تــاتوم.. رجل لكوارب

أحد, 2016-02-21 16:44

الذين عاشوا في مدينة القوارب بداية ثمانينات القرن الماضي، ويعرفون دار الشباب القديمة المحاذية ل petit canal ول barrage، السد المنيع الذي كان يمنح المدينة وبوفرة ماءها وكهرباءها ويحميها خلال موسم فيضان النهر، يتذكرون جيدا ذلك الرجل الذائع الصيت.
كان من أوائل مدربي كرة السلة في المدينة، يقضي جل وقته في الملعب اليتيم ذي الأرضية الإسمنتية الموجود في ساحة دار الشباب، على الشارع الوحيد المعبد وقتها والذي يمر أمام مباني الولاية ويشهد كل الاحتفالات الرسمية بما فيها تلك المخلدة لذكرى الاستقلال. 
كان "تاتوم" طويل القامة، ضخم الجسم، كبير القدمين، وقد كلفه هذا الأمر الكثير من نكات سكان المدينة، يقال إنه لما تخلص من حذائه القديم اتخذته ثلاث حمامات عشا لها، وعندما فقص البيض كانت صغارها تسرح في المكان جيئة وذهابا وبراحة تامة.
وتقول إحدى أشهر تلك النكات التي كان أطفال مدرسة البلدية المقابلة لدار الشباب يروونها ثم يطلقون العنان لضحكاتهم الصغيرة العذبة، إن "تاتوم" أرسل ذات يوم أحد الأطفال إلى الدكان المجاور ليجلب له غرضا، وعندما عاد سأله عن بقية النقود فأخبره الطفل بأن صاحب المحل رفض أن يعطيه "الدكديك".
ولأن "تاتوم" كان مشغولا جدا، فقد نزع حذاءه وناوله إياه وقال له أخبر صاحب الدكان بأن صاحب هذا الحذاء يأمره بأن يرد عليه "دكديكه".
حمل الطفل الحذاء بصعوبة وتوجه إلى صاحب الدكان، فما كان من هذا الأخير بعد أن سمع الرسالة ورأى حجم الحذاء، إلا أن ناول الطفل المبلغ كاملا وقال له سلم لي على صاحبنا وأخبره بأن الغرض هدية مني.
انقطعت عني أخبار الرجل منذ غادرت القوارب، ما زلت حتى اليوم أذكر حركاته الرشيقة في الملعب رغم ضخامة جسمه، كان مثالا للجد والاجتهاد، وعلى يديه تعلم العشرات من شباب المدينة كرة السلة وبات لمباريات اللعبة سحرها الخاص فأصبحت تجلب الكثير من المشاهدين الذين تكتظ بهم ساحة دار الشباب، في تلك الأمسيات الرطبة المسكونة بأزيز العبارة وأصوات أصحاب الزوارق الصغيرة، وهي تعلن نهاية يوم آخر من أيام النهر التي لا تنتهي.

نقلا عن صفحة الكاتب البشير عبد الرزاق

اقرأ أيضا