تحرير المساجين../ عباس برهام

أحد, 2016-02-21 17:30

لم أساهم في موجة الارتياع البرجوازي من هروب مساجين دار النّعيم مؤخّراً. كنتُ قد قضيتُ طفولتي في قراءة روبن هود وأرسين لوبين والصّعاليك وديوان اللصوص، واقشعرّ بدني لخطبة عثمان اللص، التي نقلها الجاحظ. وقد آمنتُ في وقتٍ مبكِّر أن عدالة اللصوص أفضل من جرائم البرجوازيّة. كان حلمي هو تنظيم عصابة روبن هوديّة هدفها تحرير المساجين وإطلاقِهم في البراري والأصقاع.
وفي الحقيقة فإن اللص ليس هجوماً على البرجوازيّة أو المُلكيّة، بل هو صنيعتُها. وفي موريتانيا لا توجد سجون، بل معتقلات ومدارس لصناعة الإجرام. ورغم أن أولى الصفقات التي منحها الجنرال عزيز كانت بناء سجن بآلاكَ، إلاّ أن المساجين مازالوا يُعانون من الاكتظاظ والتّجويع. وفي بعض العنابر يوجد خمسة عشر سجيناً في غرفة ضيّقة بلا متنفس. وفي مناطق أخرى يعيش مساجين في قاعات غير مسقّفة (وهذا هو نفس سجن الحجاج بن يوسف). وقد زادت الاحتكاكات بين السجناء وتشعّبت تحالفاتهم واستقطبت "الأبرياء". وقد أُدخِل أصحاب جنحٍ بسيطة في تحالفات عصاباتيّة من أجل البقاء. وكم من "جان فالجان" تحوّل إلى "بابلو إسكوبار" بسبب السّجن؟ وكم من "أبي محجن" حوِّل إلى "بن لادن"؟
ولا يتوفّرُ السجناء على أكل كريم. لذا تفرضُ عليهم السجون الموريتانيّة "بقاء الأقوى". ولا يخرج مرتاد هذه السجون إلاّ وهو مجرِمٌ مكتمل الإجرام بفعل قاموس وتأطير سجني. لا تتوفّر أفرشة ولا تغطيّة صحيّة. يُعامِلونهم كالحيوانات. وتوجد تراتبيّة قوية بفعل العلاقات العامة والمال والتحالفات الإجراميّة. وتعيش السجون ترراتبيات استعباديّة من النوع الذي أتاح سياقاً لـ"الإجرام". لا توجد تربيّة أو تعليم. ولا يخرج السجين إلاّ أسوأ حالاً، معرفياً وتأهيلياً.
إن مشروعي الطفولي بتحرير المساجين ما زال قائماً. وطالما لا توجد برامج تأهيل وإدماج وصناعة الفرص في السجون الموريتانية فإن روبن هود الصّغير في داخلي سيبقى سعيداً بهروب المساجين. وسيعلن إلغاء شرعيّة السجون الموريتانية. إن سجوننا هي جريمتُنا ضدّ المجتمع.
يتواصل النضال.

اقرأ أيضا