في مدينة كرمسين التقطت أمنة بنت محمد المختار، صور الحياة الأولى في بيئة لم يكن فيها أصحاب الاحتياجات الخاصة يعدلون شيئا داخل المجتمع، لكن أسرتها كانت عونا وسندا.
ورغم كونها ولدت وهي تعاني وضعية خاصة، فإن ذلك لم يثبط من عزيمتها وإرادتها القوية في النجاح والتفوق وتحقيق الطموحات، وقد شجعها في ذلك أسرة محترمة راعت رغباتها وشجعتها على مواصلة الدراسة والتفوق.
لـ أمنة بنت محمد المختار باع طويل في الدفاع عن "أصحاب الاحتياجات الخاصة"، فقد نذرت نفسها منذ نعومة أظافرها أن تنخرط في الجهود المتواضعة التي كانت في بدايتها حينها، والساعية إلى خلق متسع ومكانة لهذه الفئة الهامة داخل مجتمع ذكوري لا يؤمن بحقوق كثيرة للمرأة لا سيما إن كانت في وضعية خاصة.
تدرجت أمنة بنت محمد المختار في الدراسة، وبفعل نضالها المستمر باتت سيدة دولية ترتبط بعلاقات مع جهات مختلفة في العالم .. تجوب بقاع الأرض دفاعا عن هذه الفئة، وأملا في إنصافها وإعادة الحقوق المسلوبة إلى أصحابها.
وكالة أنباء لكوارب، التقت "أمنة النموذج"، وأجرت معها اللقاء التالي:
وكالة أنباء لكوارب: أنت ولد وتربيت في كرمسين .. كيف تعامل المجتمع معك، وكيف أثرت هذه البيئة على حياتك باعتبار أنك من ذوي الاحتياجات الخاصة؟
أنا ولدت في كرمسين، لكني لم أتربا فيها، بل تربيت في قرية لبيرد حتى عام 1981 قادر أهل القرية متجهين إلى نواكشوط حيث أكملت عشت هناك واكملت تعليمي.
وبالنسبة للتعايش مع المجتمع فقد كان صعبا لأنه خلال تلك الفترة لم يكن المعاق يساوي شيئا عند المجتمع، لكن كنت امتلك إرادة قوية وإيماننا أقوى، وكانت الأسرة من أفضل أسر الأشخاص المعاقين حينها، حيث أصرت على تعليمي والمحافظة علي من كل النواحي، ولم يشعروني يوما من الأيام أنني معاقة .. كنت البنت المدللة من بين إخوتي وهذا ماساهم في قدرتي على تحدي الإعاقة.
وبعد ذلك التحقت بمجموعة من الأشخاص المعاقين كانوا أكبر منى سنا، وواصلت معهم النضال في مجال الدفاع عن هذه الشريحة التي عانت الكثير والكثير من التهميش والإقصاء، وكانت هذه المجموعة هي أول مجموعة في موريتانيا تدافع عن حقوق الأشخاص المعاقين، وكنت أنا هي السيدة الوحيدة من بينهم رغم حداثة سني بالمقارنة معهم حينها.
وكان نضال هذه المجموعة قد بدأ سنة 1976، أي قبل تاريخ ميلادي.
بدأت النضال مع هذه المجموعة وأنا في سن مبكرة جدا، حتى قبل البلوغ،لكنني كنت ضمن مجموعة من الأشخاص واثقين من أنفسهم ويحنون إلى هذا النضال ومساعدة الآخرين والتعاطف معهم.
وكالة أنباء لكوارب: ما قدمته الجهات الحكومية لهذه الشريحة .. هل تعتقدون أنه يمكن السكوت عليه؟؟
نعم السؤال جيد .. بالنسبة للحكومة أو الحكومات التي تعاقبت على كرسي البلد في الفترة مابين 1960 إلى 2008 لم تهتم ولم تعطي لهذه الشريحة من المجتمع أي أهمية تذكر، وكانت فترتها هي فترة المنفى بالنسبة للأشخاص المعاقين، حيث لم تمنح لهم أي حقوق سواء كانت كثيرة أو قليلة، أو حتى معنوية، لكن شريحة الأشخاص المعاقين كما قلت لك آنفا كانت دائما تحاول تحطيم هذه الحواجز التي طالما تعترضهم في حياتهم النضالية، ومع مرور الوقت وقوة النضال ساعدنا الحظ أن تصادفنا مع هذه الحكومة التي تولي هذه الشريحة أهمية، وخاصة السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
لاشك انه أعطى أهمية كبيرة لهذه الشريحة، تمثلت في تخصيص إدارة خاصة بالأشخاص المعاقين، وتخصيص مبالغ مالية سنويا للجمعيات العاملة في مجال الإعاقة ومنح قطع أرضية صالحة للسكن،
والمصادقة على الاتفاقية الدولية المتعلقة بالأشخاص المعاقين، وإنشاء قانون للأشخاص المعاقين رقم 043، واكتتاب 100حامل شهادة من الأشخاص المعاقين.
هذا شيء يذكر فيشكر .. ورغم كل هذا فلا زلنا نعتبر أن لا يكفي .. مازلنا نطالبهم بالكثير، كالتعجيل بإصدار بطاقة الشخص المعاق والمصادقة على بقية المراسيم المتعلقة بالقانون، وتطبيق الاتفاقية الدولية المتعلقة بالأشخاص المعاقين التي صادقت عليها الدولة، وعلى ابروتكولها الاختياري.
كما نطالب إدارة الأشخاص المعاقين تكثيف الجهود والمثابرة والعناية التامة بهذه الشريحة، خاصة منهم العاملين مع مدير إدارة الأشخاص المعاقين وإيصال صوتها إلى الجهات المعنية.
وقد لاحظت أن هناك أشخاص في الإدارة لا يعطون أي أهمية للأشخاص المعاقين .. وهذا لا ينبغي أن يحدث ولا ينبغي السكوت عليه.
وكالة أنباء لكوارب: لوحظ أنكم شاركتم خلال العام المنصرم في عدة أنشطة وندوات خارجية .. كيف ربطتم هذه العلاقات الخارجية؟ وهل لأنشطتكم خارج البلاد انعكاس ايجابي على هذه الفئة؟؟
شكرا .. هذا صحيح أنا شاركت في عدة مؤتمرات خارج البلد باسم الجمعية الموريتانية لتكتل النساء المعاقات بوصفي رئيسة لهذه الجمعية، وكانت أول مشاركة لنا سنة 2014 في جمهورية مصر العربية،
وبعد ذلك تواصلت المشاركات في المؤتمرات بالدول التالية: المغرب وتونس ولبنان .. وكانت هذه المشاركة بواسطة المكتب الإقليمي العربي للمنظمة الدولية للأشخاص المعاقين، حيث أصبحت أنا هي ممثلة المكتب الإقليمي العربي للمنظمة الدولية للأشخاص المعاقين في موريتانيا.
وكانت هذه خطوة مهمة بالنسبة لنا حيث تمكنا من معرفة الآخرين أي نظرائنا في الإعاقة، وتبادلنا الخبرات معهم في مجال عملنا ..
وهذا هو أهم شيء عندنا .. وليس المهم عندنا الحصول على النقود لأن النقود بدون معرفة وخبرات لا تفيد أي نتيجة ..
ونحن ليس هدفنا تحصيل المال هذا هو آخر ما نهتم به.
في اللقاء الأخر المقام في لبنان تم الاتفاق بين 12 دولة عربية على إنشاء منتدى عربي لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، يضم هذه الدول الـ 12.
وأصبح هو الممثل للمكتب الإقليمي العربي للمنظمة الدولية للأشخاص المعاقين ..
وفي نهاية الملتقى أصدرنا إعلانا سمي إعلان "بيروت الثاني" حول التنديد بانتهاك حقوق الأشخاص المعاقين في البلدان العربية وخاصة الدول التي تشهد حروبا مثل ليبيا وفلسطين وسوريا واليمن والعراق ...
وتم الإعلان عنه في مؤتمر صحفي نظم بعد نهاية المؤتمر ..
كما تم أيضا إعداد خطة عمل لمدة 3 سنوات على مستوى الوطني والدولي، وسنعمل هنا على تطبيقها إن شاء الله.
وكالة أنباء لكوارب: رغم أنكم تنحدرون من ولاية اترارزة وتمثلون نموذجا متميزا لهذه الشريحة في الولاية وفي كل موريتانيا، لماذا لم نلاحظ حضوركم أو دعمكم لأي أنشطة لصالح هذه الشريحة في الولاية؟
أمنة بنت المختار: سؤال ممتاز جدا .. أحسنت القول نحن طبعا نفكر في هذا الموضوع ومهم عندنا، وليس في الولاية وحدها بل في جميع ولايات الوطن الحبيب.
لكن تبقى الوسائل المادية هي التي تحول دون ذلك ..
نحن كما تعلم وسائلنا المادية محدودة جدا، ولا يمكننا تغطية تكاليف برامج ذات أهمية كبيرة أو على الأقل متوسطة لهذه الشريحة ..
لكننا لن ننساهم أبدا وهم ضمن أولوياتنا وسوف نبذل قصارى جهدنا من أجل مساعدتهم في القريب العاجل بحول الله ..
مع العلم أن لدينا عضو منتسب للجمعية في كرمسين مستعد للتعاون معنا في الولاية، ونحن بدورنا مستعدون لذلك.