من الملاحظ أن ولد عبد العزيز لم يتطرق بشكل من الأشكال لموضوع المسيء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنا لا أطالب بالتصريح حول هذا الموضوع، بذكر اسم المعني، تجنبا لتدخل السلطة التنفيذية في أمر معروض أمام القضاء،
ولكن عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدس، وفي هذه السنة حصلت هذه الإساءة المدوية، وكان من الجدير بولد عبد العزيز التوقف المباشر عند هذا الموضوع بالأسلوب المناسب، لكنه تجاوزه إلى تكذيب المعارضة والتركيز على أسلوب متوتر حانق، بدل التحذير من المساس بحرمات ديننا الحنيف، نأيا بالشباب والمراهقين وغيرهم عن التيار الإلحادي، المتفشي في بعض المواقع "الاجتماعية" أو الفيسبوكية.
إن هذا الشخص غير المتعلم بالقدر المتوسط على الأقل، حيث لم يقدر على إدعاء أي تعليم محظري أو عصري محترم ضمن سيرته الذاتية المنشورة، سوى التكوين العسكري في المغرب، والنياشين الممنوحة بسخاء من طرف ولد الطايع وولد الشيخ عبد الله، أقول مثل هذا الشخص لا يصلح البتة للقيادة.
وهذه الانتخابات في غياب المنافسة، وهيمنة المرشح الواحد، كما أتضح من خلال أيام الحملة المنصرمة، تحولت إلى استفتاء وليس لها ما يعزز صفة الانتخاب أي الاصطفاء والاختيار من بين عدة خيارات متاحة، فلا إتاحة إلا لمرشح الدولة، وهذه فضيحة مدوية لديمقراطية العسكر، فقد قضوا في هذه الفرصة -بوجه خاص- على الطابع الانتخابي، الذي تحول بوضوح وجلاء إلى الاستفتاء فحسب.
إذن، لا وجه للمشاركة في استفتاء على طاغوت عسكري، يحكم برأي واحد، وذوق واحد وخلفية مشحونة بالتحامل على الخصم السياسي، أي المعارضة.
أجواء لا تساعد على التعددية أو أدنى درجات إشراك واحترام الرأي الآخر.
إنها انتخابات عقيمة، كانت حملتها في منتهى البرودة والأحادية والحسم المبكر البديهي، فأين المصداقية، ولماذا يسمح المواطن الواعي لنفسه، بتكريس حكم الاستبداد والاستحواذ، وهو يرى بأم عينه الفشل والعجز التام لدعاوى العسكر بوجود حكم ديمقراطي.
فالواقع يكذب مثل هذه الدعاوى الزائفة المكشوفة، ويؤكد تغييب المنافسة الحقيقية الجادة.
مبررات ومسوغات كافية للابتعاد عن المشاركة في هذا الاقتراع المهزلة، المحسوم النتيجة قبل مجرد البدء في مشواره الهزيل التافه.
إنها ديمقراطية الأعراب، من بشار إلى السيسي إلى حكم الأسر المتوارث، وما رأينا أملا إلا لماما في تونس، حيث تسير تجربة صعبة وسط الجمر والتحديات المختلفة، خصوصا الأمنية والاقتصادية، وسط حزام من الفشل، ما بين الجزائر وليبيا والمغرب، دول كلها لا يشجع جوارها على الحكم المثالي النظيف.
أجل سقط القناع عن عجز العرب جميعا عن استيعاب التجربة التعددية، ونحن في أقصى الوطن العربي، على ضفاف دول افريقية زنجية، أحسن منا حظا في التعامل مع السياسة، خصوصا في دولة السينغال المجاورة، فمازلنا بعيدين عن تحقيق أمل الشعب الموريتاني في حكم عادل وتسيير شفاف لثروته المنهوبة المهدورة بحق، وعلى أعنف صور الاستغلال الخارجي والعبث الداخلي.
لمثل هذه الأسباب و غيرها لا وجه للإقدام على صناديق الاستفتاء المنتظر21 يونيو2014.
للتجار أن يذعنوا خوفا وطمعا وللقبائل أن تتاجر حتى لا يحرم أبناؤها من التوظيف –على رأي البعض- وهذه أبرز أسلحة النظام الفاشي الحالي، ولكن أين وجه العذر للنخب في المدن، وخصوصا المدن الكبرى.
وعموما مهما زورت الجهات المعنية، فعلى المقاطعين نزع الحجاب عن الزيف العزيزي، عسى أن تصل الرسالة، رسالة الوعي والحزم لصالح قضايا الوطن، على أبلغ وجه وأقوى تأثير.
لقد أجهض العسكر تباعا الأمل في التناوب السلمي على السلطة، وكان متوقعا أن تظل ديمقراطيتهم العرجاء مجرد غطاء للتمرير والتمويه، داخليا وخارجيا، غير أن ما يحصل اليوم، في قمة الانكشاف، ويعزز الحكم العسكري وفساد الإدارة، ويسمح للمافيا بالمزيد من بناء الأعشاش والأوكار، مما يصعب الإصلاح مستقبلا، ويحول الدولة إلى كيان مفخخ فارغ عاجز مسكون بالفشل المزمن والمحسوبية والخصوصية في كل شيء تقريبا، لصالح من يحكم وأزلامه ومقربيه، على حساب المواطن العادي المغبون المخدوع باستمرار، للأسف البالغ.
ويريدونا في المقابل أن نقبل باختصار سلخنا بعد ذبحنا، إنه الاستهتار المطلق بعقولنا، وهذه هي الفرصة المناسبة، لإثبات أن لدينا بقية وعي وحزم، وحرص على الكرامة، لأنفسنا ووطننا وأمتنا الموريتانية الغالية المظلومة.
إن الأغلبية عندنا -للأسف- توالي من منطلق المصلحة الضيقة الفائتة الزهيدة، بعيدا عن النظرة الوطنية الفاحصة الشاملة، وهذا ما يجعل البعض دون اقتناع بالبعد العمومي، ينغمس في هذا الجو الانتخابي الباهت، ساعيا لبقاء وظيفة أو سمسرة مشروع، أو مجرد التزلف لأصحاب النفوذ والحظوة، دون التفات للمآل والعاقبة للتمادي في هذا المسار الاستخفافي، الممجد للمقولة الفرعونية (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد).
لا يا عزيز لن نقبل السير في هذا الطريق، إن رأيك أرداك في حادثة 13 أكتوبر2012، المرتبطة على وجه راجح بالمجون، والذي سترتها أنت وغزواني بخطة لا تنطلي إلا على البلهاء. وسيرديك ويرديك، إن لم تتب من حكمنا، لأننا لم نخترك، وإنما جئت عنوة على ظهر دبابة، كأسلافك من العسكر الانقلابيين، أما آن وحان لك أن تروعي عن هذا السفه، بالتحكم في الكرسي والمنافع، دون وجه اختيار شفاف، فقد ملكت وأكلت، مما لا يحل لك ولا يجوز إطلاقا، وسيبت فيه من ترضى عنهم من أهلك، أو من تصطفي من المصفقين والمزمرين لسيمفونية حكمك العسكري المفروض القسرى.
إنها حقا جوقة الغابة وحكم القوة والعضلات المفتولة، المكسوة بمساحيق الوعد والوعيد ومختلف فنون الخداع السمعي والبصري والنفسي الدعائي المفبرك.
لا نشك في خاتمة المهزلة الاستفتائية، نجاح الجنرال، وبقاء الوضع على حاله للأسف البالغ، لكن لا أحد متابع للوضع يشك أيضا في طبيعة المحصلة، الانقلابية الأحادية بامتياز، ولا وجه للمصداقية أو الصفة الانتخابية التعددية التنافسية.
فاليوم المنتظر 21 يونيو مجرد موعد لتمرير نظام حكم مكرر، وتوقيع على صك أبيض باستمرار حكم العسكر والمعسكر، على حساب الوطن وسكانه المدنيين العزل.
ونقول بصوت عال، إنها مجرد مهزلة ومزبلة، فمن شاء صبر ومن شاء انتحر، ومن شاء فليسب الدين والأخلاق-حسب لسان حاله-، والأهم أكل ثروتكم وهدر كرامتكم وغصب أمركم وشأنكم العمومي على الدوام، وننصح على لسان العسكر بالهجرة للأقوياء والعزلة للضعفاء، فلا تعترضوا طريقنا، فواقع وطنكم العربي الكبير، لا يشجعنا على العدل وإنصاف ضعفاء ومستضعفي موريتانيا.
فأنتم الأعراب في جحيم الحكم العسكري سواء. على مذهب "سوا" السوري، وعلى إيقاع نجاح السيسي في مصر بلا جهد ولا ظهور، ولو لمرة واحدة في مهرجان دعائي إبان الانتخابات المصرية المنصرمة، لأن أصحاب الثأر في رابعة والنهضة ورمسيس، كلهم كلهم يطلبوه، فما الداعي للظهور، لمجرد تعريض النفس للخطر المحدق والموت الزؤام اليقيني، على أغلب الاحتمالات وأقوى التوقعات، حسب أجواء الطقس الأمني في أرض الكنانة، المغلوبة على أمرها، هي الأخرى، على غرار كل سكان الوطن العربي الكبير الهمام.
فعلا تعثر الأمل في الربيع العربي، وتحول ظاهرا إلى مجرد حريق عربي كبير متواصل النيران في كل تجاه، ولم يعد يثير الانتباه، لكن الموصل رمت برسالة، لا تعني بعض رموزها إلا نفس الدرس السابق، أيام سقوط بن علي ومبارك وعلى صالح، فالرسالة حرفها الأول موصل وإليه الوصل والحنين، وهو تغلب الغاضب على من ظلموه ردحا طويلا من الزمن، مهما علت صيحات الطاغية وتنوعت جراح المظلومين المعذبين في أرضنا العربية الطاهرة الثائرة، المترامية الأطراف.
ويوما، ولو قلت أنت "داعشي" سيصل المنقذ لتحطيم القيد والانفكاك من العقال، إلى ساحة الحزم والوعي، أفق أنا مقاطع وأنت متردد، فلا تتردد، لك في كل المقاطعين قدوة وأسوة، سجنت وحرمت، فما خنعت وما وقعت، رغم الصعاب عشت وتنفست، وسأقاطع فعلا ببساطة وحزم وصرامة، لأنني أرفض التوقيع على صك الحكم العسكري الجديد المتجدد، ولن أرضى بسجن شعبي مجانا، وحرمانه مجانا، وقتله ببطء مجانا.
أنا مسؤول عن صوتي ودوري، فلن يكون بإذن الله، إلا الإبتعاد عن المهزلة المنسوجة من الغصب المبني على حكم الثكنة، المستند إلى خداع البرءاء بحجة المنفعة، والواقع تغرير الأقل وعيا وحزما، ولعلهم نسوا أن الله سائلهم عن الموافقة على الاستبداد والاستحواذ، فلماذا رضوا لأنفسهم ووطنهم هذا المصير الضار المدمر، للأفراد والجموع.
أجل، المقاطعة سيكون لها وقعها وأثرها الإيجابي، ولو بعد حين.
أما ترون عزيز يهذي ويسب في جو هستيري، إنها بعض الآثار النفسية المعقدة لمسيرة المنتدى، التي ناهز طولها 5 كلمترات بين الجامعين، وشارك فيها الآلاف، أما ترون معي أن هذه الآلاف حين يقبل جهاز عزيز الاستفتائي بظهورها أرقاما، سيوقع نهايته بنفسه فعلا، لكنه لن يصل إلى هذا المستوى من الموضوعية والنزاهة، لأنه يعرف معنى ذلك باختصار، الخروج من اللعبة نهائيا.
أجل، سيزورون دون حياء نسبة المشاركة، على غرار مذهب أسيادهم الانقلابيين في مصر وسوريا دون عناء.
فقط الطوابير، إن لم يستخدموا سحر العين، ستكشف عجزهم عن ستر عورتهم الانتخابية.
الطوابير يوم الاستفتاء المرتقب 21 يونيو2014 ستكون أقوى رهان على القدرة على تعرية الخصم، فأيهما ينجح ويفلح في إقناعنا بالفوز الحقيقي، المنتدى وأنصاره أم النظام الانقلابي وأشياعه، أما رقم الفرز النهائي كله، كله، بجميع تفاصيله، فمشكوك فيه.
الطابور سيقولها دون مواربة، خصوصا في المدن الكبرى، سقط القناع، وظهرت بشاعة الكذب والتزوير.
ويومها أيضا سيضطر لاتهام الجميع بالكذب والخيانة، لأنه يعلم أن معاوية نجح في انتخابات2003، لكنه لم يسلم من عوادي الزمن.
إنه أعلم بكم، بضعف الأنظمة المزورة، فأبسط عاصفة تلقى بها في مزبلة النسيان.
نعم التوقعات والاحتمالات مفتوحة، على كل الخيارات ما بعد مهزلة واستفتاء 21 يونيو2014.
وأضعفها انقلاب، إن لم تكن ثورة شعبية، خصوصا أن مسيرة المنتدى ما قبل انطلاق الحملة، تركت الانطباع بإمكانية تحريك الشارع الموريتاني، حين تشتد المظالم ويضيق الأفق.
فأصحاب الدراية يقرؤون ما بين السطور أو ربما الفواصل، فلا تحسبوه نجاحا متماسكا، إنه نجاح مفبرك مسكون، بكل المفاجآت المتنوعة.
من ضربة الطابور إلى عودة المعارضة الراديكالية إلى الشارع، المفضية –ربما- إلى وعي العملاق الشعبي كلها احتمالات واردة، وهل سقط بن علي إلا على إثر صفعة إمرأة وصحوة شعب، وجيش ابتعد عن التدخل، وربما تدخل ايجابيا، حين ترك الشعب يقول كلمته.
إننا ننتظر حياد جيشنا ووعي شعبنا، وعندها تكتمل شروط الثورة الشعبية السلمية، ولو حصلت تدريجيا.