أمام حشد جماهيري غير مسبوق في مدينة النعمة "المحروسة" ألقى رئيس الجمهورية خطابا تاريخيا، في مكان تاريخي، في يوم دخل التاريخ من بابه الواسع، وبلغة تدخل القلوب قبل الآذان، عفوية في الأسلوب، ودقة في المعطيات..
حمل خطاب الثالث من مايو مجموعة من الرسائل، التي وصلت إلى من يهمه أمرها بشكل مباشر، وبعبارات لا تحمل أكثر من وجه، ليحيى من حيي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة..
أكد الرئيس في خطابه أن موريتانيا لن تعود إلى الوراء أبدا، مهما علا صراخ الناعقين بما لا يفقهون في أمور السياسة والاقتصاد والأمن، ورسم لوحة بيضاء لواقع البلاد، مطمئنا المواطنين على الوضع الاقتصادي والسياسي لدولتهم، التي باتت واحة أمن وارفة يتفيأ ظلالها بالغدو والآصال أبناء الوطن وضيوفهم الأجانب بعد أن كانت أرضا سائبة تسرح فيها قعطان العصابات الإرهابية ومجاميع اللصوص والمهربين.
أما الرسالة الثانية فقد حمست موضوع الهوية الوطنية التي لم تجرؤ أي من الأنظمة السابقة على حسمه، حين وصف بعضها موريتانيا بهمزة الوصل، وفشل آخرون في المؤاءمة بين عروبة الانتماء وإفريقية الموقع، ليقطع خطاب الثالث مايو الشك باليقين "نحن دولة عربية ولن نتنازل عن حقنا في تنظيم القمة العربية ولو تحت الخيام"... وقد قطعت جهيزة قول كل خطيب..
وجاءت الرسالة الثالثة مؤكدة أن دعاة العنصرية والشرائحية والحروب، لن يفلحوا أبدا في "صوملة" البلاد، أو "لبننتها"، أو "عرقنتها"، قاطعا الطريق أمام هؤلاء بالتأكيد على حرص الدولة على بسط الأمن وتطبيق القانون وإرساء أسس العدالة الاجتماعية بين أبناء الوطن الواحد.
الرسالة الرابعة لخصتها الدعوة لتغيير الدستور وإلغاء مجلس الشيوخ الذي لا يمثل أي إضافة، داعيا جميع الفرقاء إلى حوار وطني شامل سينطلق بعد أسابيع قليلة بمن حضر.
الرسالة الخامسة تمثلت في دعوة الشباب الموريتاني لولوج السياسة وتجديد الطبقة السياسية، التي تتصدرها أوجه قديمة، أفلست فكريا وسياسيا واخلاقيا، ولم يعد لديها ما تقدمه سوى الكذب والتضليل والتدجيل..
على المستوى الميداني مثلت زيارة النعمة تحولا في مسيرة البناء والتعمير في هذا الركن القصي من الوطن، والذي ظل لعقود فريسة للإهمال والضياع واللامبالاة، فقد تفقد الرئيس جملة من المشاريع الإنمائية في مقدمتها مشروع "اظهر" الذي يعتبر أكبر مشروع مائي في البلاد، حيث تمتد الأنابيب الضخمة التي ستضخ المياه العذبة في مقاطعات الحوضين لمسافة تقارب الألف كلم.
جدد الرئيس بزيارته للنعمة انتماءه الطبيعي لهذه الارض، وانحيازه الدائم لأبنائها الطيبين الذين بايعوه في يوم مشهود، ومنحوه الثقة والأمانة فحملها من غير ضعف ولا تردد..
أما الذين ينفخون في قرب مثقوبة، يمنون أنفسهم الأماني، وهم قاعدون مع الخوالف، فلن يفلحوا إذن أبدا.. منهم من يجترون الأوهام، وهم يمجدون أنظمة رجعية عفنة ويدعون لـ "الديمقراطية" خارج أسوارها.. ومنهم دون ذاك أعجاز نخل خاوية أضناهم السير بين دار الشباب وساحة ابن عباس، تركوا أحذيتهم وذريتهم من خلفهم حين دوت صافرة مكافحة الشغب إنذارا بإخلاء المكان..
سيدي محمد ولد اب