بققلم: الحافظ سيدي محمد
توقع الموريتانيون وهم يراقبون الزخم الذي صاحب التحضير لزيارة السيد محمد ولد عبد العزيز صدور قرارات هامة, وقد عكست التوقعات اهتمامات وتطلعات الفئات السياسية والمهنية والاجتماعية. كانت التوقعات من قبيل أن يعلن الرئيس تأميم منجم تازيازت وعزم الدولة اجراء تخفيض على سعر المحروقات وأن يعلن للموريتانيين انضمام البلد الى نادي الدول المصدرة للغاز, بل ذهب البعض أبعد من ذلك متوقعا أن يعلن الرئيس تنحيه عن السلطة وتفنيده للإدعاءات بنيته تعديل الوثيقة الأساسية بما يضمن له البقاء في السلطة بعد انقضاء مأموريته .
خطاب القوة وقوة الخطاب
" ليست الوقائع بحد ذاتها هي التي تؤثر في المخيلة الشعبية وانما الطريقة التي تعرض بها هذه الوقائع" ربما ألهمت هذه المقولة لغوستاف لوبون الرئيس محمد ولد عبد العزيز وهو يعتلي المنصة مخاطبا جماهير الشعب,وقد تجلى ذلك في النبرة العالية والقوة والاتزان والمنهجية ,فضلا عن التحضير والاعداد الجيد للكلمة التي استمرت لأكثر من ساعة. وكان من نقاط قوة الرجل ان اختار ان يكون خطابه بأسلوب حر وبعبارات قوية ومحدده وواضحه وموجهة الى من يهمهم الأمر وهي الخطابات التي تشكل شخصية الرجل وكاريزما الانجذاب الشعبي التي سببته تلك الشخصيه ابان بداية حكمه .وفق الرجل الى حد كبير في استعادة الألق والحماس الذين ميزا خطاباته في المأمورية الأولى لحكمه, ذلك أن الرجل أعاد من جديد وبقوة طرح موضوع محاربة الفساد والمفسدين مبرزا دور نظامه في ذلك , كما حاول الرجل ربط جميع الاخفاقات المرتبطة بمشكل العبودية والحوار السياسي والوحدة الوطنية وغيرها بالمعارضة بإعتبار أن أغلب قادتها اليوم كانوا في مراكز صنع القرار في الأنظمة التي ظلت تحكم البلاد طوال الفترة التي سبقت حكمه. بيد أن الرئيس لم يوفق في تشخيصه لأسباب وروافد العبودية, فلم يخل طرحه من تبسيط عازيا الأسباب إلى ما أسماه الإنجاب الفوضوي بما يترتب على ذلك من أعباء اجتماعية واقتصادية قد تشكل رافدا من روافد العبودية والتخلف. وقد أثار ذلك زوبعة واستياء في الأوساط الحقوقية والسياسية في البلاد, و أكد الرئيس رغم ذلك على انخراط الدولة في محاربة بقايا العبودية وهو تأكيد تدعمه جهود واضحة من بينها تدشين محكمة للجنايات المتعلقة بقضايا الاسترقاق في مدينة النعمة.
إلى من يهمه الأمر
وفي المحور السياسي والذي طغى عليه في الفترة الأخيرة طرح موضوع الحوار السياسي بدا الرئيس متجاوزا, مادا يده للحوار, ماضيا في تحديد أجندته وأهدافه وسقفه الزمني, مؤكدا على أن الحوار سينطلق بمن حضر من الطيف السياسي الوطني في استعادة واضحة لزمام المبادرة والفعل. وقد أرسل بذلك رسائل قوية الى المعارضة التي وصفها بأعداء الوطن معيدا الى الاذهان سجالات القوة بينه والمعارضة وعودة قوية لنظرية الفعل ورد الفعل وهي رسائل قد تربك حسابات واجماع الأحزاب المنضوية في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة وتجعلهم أمام خيارات صعبة ومكلفة . وقد أشار الرئيس في معرض حديثه عن الحوار السياسي الى أنه سيفضي الى قرارات مهمة وجوهرية من بينها إلغاء مجلس الشيوخ وأنشاء مجالس إقليمية كتطور طبيعي لصيرورة وديناميكية تجربة الحكم المحلي في البلاد, وذلك ضمن حزمة من الإجراءات الدستورية والقانونية قد تفضي إلى تغييرات في شكل وبنية النظام السياسي في البلاد.
إن من شأن الإعلان عن هذا الحراك السياسي بأجندة زمنية محددة في هذا الوقت بالذات التعجيل بإنخراط المعارضة بمختلف أطيافها في حوار جاد يفضي إلى وثيقة وطنية تعكس رؤى وتطلعات الطيف السياسي الوطني. وتعيد دعوة الرئيس للمعارضة للدخول في حوار سياسي في ظرف ثلاثة أو أربعة أسابيع إلى الأذهان تأكيد الرئيس أثناء لقاء الشعب المنظم في النعمة على أن الانتخابات ستنظم في وفق الأجندة التي حددت لها وأن امتناع حزب أز مجموعة أحزاب عن المشاركة في الانتخابات لا ينبغي أن يعطل مسار اختيار الشعب لممثليهم في المؤسسات التشريعية في البلاد, وبالفعل فقد تم تنظيم الانتخابات أواخر 2013 وشهدت " إنخرام الإجماع" ذائع الصيت بين مكونات المنتدى.
ردود فعل
وقد نظم المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة مهرجاناشعبيا في 7 مايو,ورغم أنه كان مبرمجا قبل خطاب النعمة ضمن النشاط الاعتيادي للمنتدى, إلا أن تطورات المشهد السياسي وخطاب النعمة فرضا نفساهما على كلمات قادة المنتدى والتي عبرت في المحصلة عن رفض مضامين خطاب النعمة سواء تعلق الأمر بالحوار أو بالوحدة الوطنية أو غير ذلك.
وبالرغم من الصرامة والقوة التي ميزت طرحه إلا أن رئيس الجمهورية أكد أنه لن يكون عائقا في وجه الديمقراطية بالرغم أنه لم يعرب بشكل صريح عن عدم نيته تعديل المواد المتعلقة بالمأمورية, جريا على عادته في الإكتفاء بالقول إن الوقت مبكر للحديث عن الموضوع, وهو ما قد يفتح المجال للتأويل والتحليل في مأمورية مازال من عمرها ثلاث سنوات .
وقد استهل الرجل خطابه عن جو الحرية الاعلامية والسياسية في البلاد مشيرا الى خلو السجون من سجناء الرأي والصحفيين, رغم اعترافه سابقا بانقلابه على الشرعية انما يحسب للرجل تكريسه للجو الديموقراطي الذي مكن موريتانيا من تصدر حرية الاعلام في العالم العربي وجو الحريات الذي ينعم به المعارضين واصحاب الرأي والمفكرين وفي اطار قوة خطابه اعرب الرجل انه هو من جلب الديموقراطية وهو من حماها في اصعب الظروف حيث مرت فترة حكمه بعاصفة الربيع العربي التي غيرت خريطة بعض الدول المجاوره والتي لم يكن الخيار الديموقراطي مطروحا في سياساتها فاستطاع احتواء المشهد بتعزيز الديموقراطيه وتغذيتها .
ولم تغب المرأة عن كلمة الرئيس, حيث عدد بعض المكاسب السياسية والاجتماعية التي حصدتها في فترة حكمه, مشيرا إلى أن لا نساء للمعارضة في إشارة إلى نشاط نسوي عقدته جهة سياسية معارضة قبيل زيارة الرئيس للنعمه. وهو الذي لايمكن فهمه سوى انه مغالاة في الهجوم على المعارضه واستفزاز لها .
عودة إلى النعمه
كان لابد بعد التطرق لمواضيع ذات بعد وطني أن يعرج الرئيس على هموم ساكنة النعمة, حيث أشار إلى تهميش المدينة من قبل الأنظمة السابقة معددا بعض المشاريع والانجازات التنموية في فترة حكمه والتي تاخذ دالة متصاعدة قد لاتتناسب مع تطلعات التائقين الى اصلاحات سريعة لكنه صعود لم يتعود عليه ساكنة المنطقه التي لم تعدو كونها خزان انتخابي يتم استثماره في مواسم الانتخابات .
احتشد الناس, وعبروا عن تطلعاتهم وآمالهم ومطالبهم كما عكست ذلك وجوههم وهتافاتهم في ذلك الصباح الذي حمل ملامح وطن, تفرقت الجموع على وقع الكثير من الرسائل, فأي مشهد ستحمله الأيام المقبلة؟؟