ولد يعقوب ولد أبو مدين سنة 1923 في مدينة بوتلميت، وجمع بين أسرتين علميتين هما أسرة أهل الشيخ أحمدو ولد اسليمان من بني ديمان، وأسرة أهل الشيخ سيديا الإنتشائية، وحين ولد أخبر به جده بابَ عبر السلك وهو إذ ذاك في السنغال فأمر بتسميته يعقوب، درس يعقوب العلم على ذويه، ثم تاقت نفسه للاستزادة فبعث به والده أبومدين ولد الشيخ أحمدو إلى "سيبويه عصره" العلامة يحظيه ولد عبد الودود محملا بهذه الأبيات:
أتاك يطلب منك العلم يعقوب::والعلم منك بهذا القطر مطلوب
والعلم قسمان قسم منه مكتسب::كما عرفت وقسم منه موهوب
وكل هذين من فضل الإله إلى::جناب حضرتك الغراء منسوب
فرده الله مصحوبا بمطلبه::فالفوز عند نفوس الناس محبوب
ورده فيه لي بشرى تسر كما::برد يوسف قدما سُرَّ يعقوب
وهي عادة دأب عليها أبومدين حينما يبعث أحد أولاده للعلامة "اباه"، كما قرأ يعقوب على أهل عدود وكان يصوم كل رمضان معهم، دخل يعقوب مدرسة بوتلميت 1936 وحصل منها على شهادة "ابريفة" مزدوجة 1948، اهتم يعقوب بالسياسة اهتماما مبكرا حيث كان من مؤسسي حركة الشباب الموريتاني، كما انضم لاحقا لحركة النهضة وكان من مناضليها الثائرين على الاستعمار وأفكاره الرجعية، كما كان يعقوب أول معتقل سياسي في المنتبذ القصي حيث اعتقل سنة 1959، تقلد يعقوب بعد الاستقلال كثيرا من الوظائف حيث عين مديرا لإدارة الأنباء الوطنية التي كانت تتبع لها الإذاعة وجريدة "موريتانيا"، هذا فضلا عن تعيينه أمينا عاما للخزينة وبعض القطاعات الأخرى التي عمل بها كقطاع التعليم والثقافة، في إحدى المرات ترشح يعقوب للمستشارين فلم يحالفه الحظ - أيام قلمك يرحمك- فقال له صديقه " الملك همام" رحمه الله:
گلّت نجاحك مانبغيه::ييعقوب ألاننوَّ
خالگ بعد إلّ ناجح فيه::لعقل والدين ءُ لمروَّ
عين يعقوب قنصلا في "لاس ابلماس" كما عين سفيرا في دكار فمثل بلاده أحسن تمثيل حيث كان يعامل المواطنين بأريحية و رحابة صدر، وفي أديس ابابا امتنع يعقوب عن مصافحة سفيرة العدو الإسرائيلي العجوز "مامير" بل بصق في وجهها، كما كان يعقوب صاحب مبادرة مسجد ابن عباس الذي باع من أجله بعض القطعان من البقر للمساعدة فيه، وقد تحدث عنه الكاتب الصحفي يونس بحري في كتابه "جمهورية موريتانيا الإسلامية" وأثنى على أخلاقه، ويقول فيه العلامة المؤرخ المختار ولد حامد رحمه الله:
يَعْقُوبُ يَسْتُرُنَا فِي كُلِّ بَرَّانِي::وَسِتْرُهُ لِبَنِي دَيْمَانَ دَيْمَانِي
فِي غَوْثِ كُلِّ أَخِي كَرْبٍ يُمَثِّلُهُمْ::وَفَكِّ كُلِّ أَسِيرٍ مُوثَقٍ عَانِي
الْغَوْثُ فِيهِ وَفِيهِ الشَّيْخُ أَحْمَدُنَا::سَعْيًا وَفِيهِ الْمَزَايَا مِنْ سُلَيْمَانِ
مَعْنًى هُنَالِكَ فِي دَيْمَانَ أَحْرَزَهُ::وَثَانِيًا فِيهِ ذَاكَ الْجَانِبُ الثَّانِي
وهو إسقاط على ماقيل في شور في ترقيص والده أبو مدين:
ولد أحمدو ول اسليمان- اسكتْ لا تبكِ لا تشيان، ومن گيفانه:
غلظ انتشايتْ لا شكَّ::كمّلتُ واشياختْ ديمان
ء غلظ أولادْ امرابط مكَّه:: ءُ غلظ أولاد أحمد من دمانْ
وكان يعقوب جوادا كريما وإلى ذلك يشيرالملك همام رحمه الله:
تَعْرَفْ يَيَعْقُوبْ الْغَلاَّكْ::اعْلِيَّ عَنْ خَلْقْ أَهْلْ إِلاَهْ
كَوْنَكْ مَا تَعْرَفْ مَاهُ هَاكْ::وَانَ مَا نَعْرَفْ كُونْ إِلاَهْ
وكان يعقوب رحمه الله أديبا وشاعرا متمكنا يقول الشعر بشقيه، وله أبيات مشهورة قالها للفنان سيد ولد دندني منها:
تقاصر أهل الشدو عن نجل دندني::فليس يحاكَى نجل دندن في الفن
وكان شديد الصلة بشيخه لمرابط محمد سالم ولد ألما اليدالي كثير الزيارة له وقد رثاه بقصيدة من غرر شعره وهي من عيون المراثي:
أَلَمْ يَانِ لِلْعَيْنَيْنِ أَنْ تَدْمَعَا مَعَا::وَلِلْقَلْبِ مِمَّا حُمَّ أَنْ يَتَقَطَّعَا
وَللأرضِ أَنْ تغدو ظلاما وَأَنْ يُرَى::مَحَلُ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِلشَّمْسِ مَطْلَعَا
لَدُنْ غَادَرَ الدُّنْيَا الدَّنِيَةَ قَادِمًا::إِلَى رَبِّهِ ابْنُ التَّاهِ منها مُوَدِّعًا
تَفَرَّقَ شَمْلُ الدِّينِ وَانْهَد رُكْنُهُ::غَدَاةَ نَعَى النَّاعِي الْوَلِيَّ فَأَسْمَعَا
نَعَيْت إِمَامَ الدِّينِ والمرشدَ الذِي::إليهِ مريدُ العِلْمِ مُنْتَدبا سَعَى
فَكَمْ جَائر مِنْ هَدْيِهِ كَانَ هَدْيُه::وَكَمْ جَاهِل منْ عِلْمِهِ قَدْ تَضَلَّعَا
ألاَ فَاجْزَعُوا لِلْحَادِثِ الإِدِّ إِنَّنِي::جَزِعْتُ وَلَمْ أَجْزَعْ مِنَ الْبَيْنِ مَجْزَعَا
وَلَكِنَّنِي مِنْ ثلمَةِ الدِّينِ جَازع::لِفَقْدِ إِمَامٍ كَان أَتْقَى وَأَوْرَعَا
رُوَيْدَ الأُلَى لَمْ يَحْسبوا الأَمْرَ حَادِثًا::يَكَادُ لَهُ ثهلانُ أَنْ يَتَصَدَّعَا
رويدكُمُ فَالْمَوْتُ حَتْمٌ ومن يكنْ::تَأَخَّرَ يَوْمًا يَوْمه قدْ تَوَقَّعَا
وَمَا مَاتَ مَنْ أَبْقَى كِرَامًا أَعِزَّة::تفرَّقَ فِيهِمْ فَضْلُهُ وَتَجَمَّعَا
سَقَى الله ذاكَ الْقَبْرَ مُزْنًا سَوَارِيًا::مِنَ الرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ وَالْعَفْو هُمَّعَا
وَبَارَكَ فِي ذاكَ الْحَرِيمِ وَأَهْلِهِ::وَأَخْلَفَهُمْ خَيْرًا وَآجرَ مَنْ دَعَا
بِجَاهِ النَّبِيِّ الْهَاشِمِيِّ مُحَمَّدٍ::عَلَيْهِ صَلاَةُ الله مَثْنَى وَمرْبَعَا
كما رثى يعقوب صديقه الأمير محمد فال ولد عمير مرثية مشهورة مطلعها:
مجد العروبة والإسلام قد ذهبا::أما الجهاد فقد أضحى الجهاد هبا
توفي يعقوب مساء الجمعة آخر يوم من شهر صفر عام 1395 هجرية الموافق 14 مارس 1975 جراء حادث أليم قرب انواكشوط وهو عائد من قرية "لبيرد" حيث كان في ضيافة الأمير احبيب، وقد حمل إلى مستشفى نواكشوط وتوفى فيه وصلى عليه هناك أخوه العلامة المحدث محمد ولد أبومدين وحمله سليمان ولد الشيخ سيديَّ ورجال معه فى السيارات ودفن عند أول الصبح يوم السبت غرة شهر ربيع الأول ودفن مع جده باب ولد الشيخ سيديَّ في مقبرة "البعلاتية"ورثاه العلماء والشعراء وممن رثاه لمرابط محمد سالم ولد عدود بقصيدة عصماء مطلعها:
سلك الثنا عليك يا يعقوب::سلس وجزع عقوده مثقوب
كما رثاه العلامة الدنبجة بقصيدة من عيون المراثي ومن أجمل مراثي يعقوب مرثية الأديب الكبيرالطيب ولد ديدي رحمه الله التي يقول فيها:
مَرْ ثِيّتْ يعقـوبْ إسْتَگْسـاتْ::إعْـلِـىَّ، مَعْـنَـاهَ عَـسْــرَاتْ
نِ كِيفِـتْ شِ، مَعـنـاهَ مَــاتْ::وَاجِـهْ لِــشِ ذَاكُــوَّ مُـنْـتْ
لاَهِ شِكْرْ إعُـودْ امْــنْ أمّـاتْ::تِيفِلْوَاتِـنْ مِسّلْـسَـلْ مــن تْ
يفِلْـوأتـن مِــنْ تِيفِـلْـوَا ت::نْ إعُـودْ إيــلَ گَاعْ إذْكَــرْتْ
مَـا رَشّخْـتْ، ءُبَـحّـرْنِ ذَاك::هَـاكْ ءُ عِـتْ الاّ بَاحِـرْ شَـاكْ
گِلْـتْ إطْفِـلْ مِتْعَـدّلْ نَلْـكـاك::رَشّخْتْ، أسْكِ گِلْـتْ إطْفُـلْ فَـتْ
ألْفُتْيَـانِ طَـبْ إعْــلَ هَــاكْ::رَشّخْتْ امّوْنَـكْ گِلْـتْ ءُ ثَبْـتْ
رَشّخْتْ إطْفُلْ يَعرَفْ شِ حَاك::لَخْلاَ گْ أيْـهْ أصْـلاَنَ رَشّخْـتْ
مُوجِـهْ گِلْـتْ ءُ مَعلُـومْ أيّـاك::رَشّخْـتْ آنَ عِـتْ افْ تَبْحَـرْتْ
بَاحِرْ گَاعْ أشْبَـهْ نِسْكِـتْ عِـت::لَعْـدِنْ گَاعْ انْعُـودْ أثْـرِ عِبْـتْ
آنَ گَاعْ أشْبَـهْ نِسْكِـتْ كِـنْـتْ::إشْتَمّيْـتْ إلَـيْـنْ إتْكَلّـمْـتْ
ءُ عِـتْ الاّ بَاحِـرْ كَــانِ نِــتْ::كَـلّمْ وَلَّ كَــانِ نِـسْـكِـتْ
گِلْـتْ اللًّهْ أعْطِـيـهْ أبَـديـهْ::النًعِـيـمْ إلّ مَـــاهُ بُـهْــتْ
إلِّ مُنْـتْ الــرَّاضِ وَعْطِـيـهْ٠٠الـرَّحْـمَ واجّـنَّ وِاسْـكِـتْ.
نقلا عن صفحة إكس ولد إكس إكرك