قبل الحديث عن المواجهة بين الطوارق والتبو التي اندلعت في اوباري منذ شهر لابد من التعريج قليلا نحو تاريخ الجنوب الليبي إقليم فزان ومكوناته " الطوارق وبعض القبائل العربية أولاد سليمان والمقارحة والقذاذفة " ويشهد تاريخ ليبيا أن الطوارق كانوا العمود الفقري للجهاد والمقاومة ضد الاستعمار الفرنسي في فزان والسند القوي للحركة السنوسية وعمر المختار في إقليم برقة شرق ليبيا وأن الاستعمار الثلاثي " الفرنسي في فزان والايطالي في برقة والبريطاني في طرابلس " حاولوا تقسيم ليبيا إلى ثلاث دويلات .
قامت الدولة الليبية الموحدة عام 1951 بفضل تضحيات اموهاغ الطوارق الذين كان طموحهم أن تكون ليبيا حلقة وصل بين المشرق العربي والمغرب الكبير بسبب جوارها لمصر ودول الطوق ومتاخمتها للشعوب الثائرة ضد الاستعمار الفرنسي " طوارق أزواد واير والهجار والثورة الجزائرية " وقد شكل الطوارق وجيرانهم من القبائل العربية في فزان نموذج للتعاون والتعايش والاحترام والمصاهرات والروابط الاجتماعية عبر التاريخ حيث منحت الجنسية الليبية لكل طوارق أزواد واير والهجار الذين دخلوا ليبيا لاجئين هاربين من بطش المستعمر واستقدمت ليبيا في العهد السنوسي الكفاءات العلمية الطوارقية والتجار والمهارات لتطوير إقليم فزان .
وخلال فترة الحرب في تشاد برز نجم العقيد الفرجاني " خليفه حفتر " الذي احتك بالطوارق الذين زج القذافي بهم في أتون حرب لا ناقة لهم فيها و لا جمل واسر مع بعضهم في سجون تشاد قبل أن يصبح معارضا في الخارج ويعمل مع الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا التي تضم العناصر المقربة من الغرب لكن المعارضة الليبية في عهد القذافي كانت تخاف من بعضها البعض بسبب خشية المعارضين من قبائل معينة من نظرائهم المنتمين لقبائل يتولى بعض أفرادها مواقع قيادية في النظام حيث كانت قبيلة الفرجاني التي ينتمي لها حفتر ممثلة بقوة في أجهزة نظام القذافي الأمنية والعسكرية وبسبب دور الطوارق في انتصار الجيش الليبي في تلك الحرب تنامى الحقد التشادي ضدهم على كافة الأصعدة والمستويات الرسمية والشعبية وأصبحت انجامينا على رأس كل عمل عدائي ضدهم.
وخلال ثورة 17فبراير عانى الطوارق من الظلم فهم كانوا مترددين في تحدي نظام تواليه قبائل قوية وبعضها يعيش معهم في الجنوب مثل " القذاذفة والمقارحة وورفلة والفزازنه وقامت بعضها في الجنوب بتوزيع الأدوار بين أبنائها خلال الثورة للاستفادة المزدوجة من النظام والمعارضة كما فعل الفزازنة حيث طلبوا من عبد الرحمن شلغم أن يعارض و يبكي دموع التماسيح في الأمم المتحدة ومن بشير صالح البقاء مع النظام وقامت دول الجوار مثل الجزائر بتحريك الزنتان والغدامسيين ضد الطوارق لخلق مظلومية في الجنوب تسمح لها بالتدخل في شؤون جنوب ليبيا .
وقد تجاوز الطوارق ذلك التحدي بنجاح وخلال فترة حكم المجلس الوطني الانتقالي تودد اللواء خليفه حفتر إلى الطوارق وبعد فشله في أن يصبح قائد لأركان الجيش الليبي غير بوصلته فاتجه صوب مصر بعد الانقلاب الذي قاده عبد الفتاح السيسي ليقدم نفسه عدو للتيار الإسلامي ليقزم ثورة 17 فبراير التي لم تعينه قائد لأركان جيشها ليقود ثورة مضادة في ليبيا مستعينا ببعض رموز النظام السابق والحقيقة أن ليبيا دولة متعددة الأعراق وموحدة مذهبيا فالجميع سنة مالكيين .
وفي المقابل توجد معركة فجر ليبيا التي ترى أن هدفها هو الحفاظ على ثورة 17 فبراير ومنع رموز النظام السابق ممن تلطخت أيديهم بدماء وأموال وأعراض الليبيين من العودة للشأن العام والمشهد في ليبيا منقسم بين معركة كرامة حفتر وفجر ليبيا وكلاهما يسعى لاستقطاب الطوارق بوصفهم الرقم الصعب في معادلة حكم الجنوب وقد توجه وفد من المصراتيين إلى اوباري قبل أشهر وطلب من قادة الطوارق الانضمام لعملية فجر ليبيا التي يدعمها المؤتمر الوطني والتي انبثقت عنها حكومة الإنقاذ الوطني بقيادة الحاسي .
وقد أعلن الطوارق حيادهم التام وقالوا أنهم مع ليبيا موحدة لكل الليبيين وأنهم على مسافة واحدة بين الكرامة وفجر ليبيا وأن الطوارق مع كل من يعمل على حقن دماء الليبيين ويضمن وحدة واستقرار الوطن الجريح ليعود كما كان في الخمسينات والستينات حلقة وصل بين المشرق العربي والمغرب الكبير .
في حين قام القذاذفة والزنتان بدعم تشادي جزائري فرنسي بضم التبو" حركات دارفور المسلحة التي كان يدعمها القذافي ضد السودان " إلى معركة الكرامة بقيادة اللواء حفتر وقاموا بمهاجمة اوباري ومحاولة السيطرة عليها وقد استطاع الطوارق طرد التبو التشاديين من اوباري وتسعى تشاد لاستخدام اللواء حفتر ليقتص من الليبيين الذين هزموا تشاد في الحرب على قطاع اوزو و الأطراف المستهدفة بالقصاص أولاد سليمان والمقارحة والطوارق وقبائل الجنوب العربية وقد اعتدى التبو على تلك القبائل الواحد تلو الأخرى وأخرها عدوانهم المتواصل على الطوارق في اوباري منذ شهر .
إن تورط معركة الكرامة بقيادة اللواء خليفة حفتر في سفك الدم الطارقي عبر دعمها للتبو الموالين لتشاد ستكون له تداعياته على الأمن القومي المصري لأن نظام القاهرة يسعى للتحالف مع الحراك الأمازيغي والانخراط بفاعلية في مشروع واشنطن الشرق الأوسط الكبير وأن مصر تنظر للطوارق وإمكانية قيام دولة أزواد شمال مالي على أنه سيكون انتصار لها ضد الدول الإفريقية الداعمة لمالي التي تسعى لحرمان مصر من حصتها في النيل .
إن قيام الجنرال حفتر والقذاذفة والزنتان بدعم التبو التشاديين هو خيانة كبرى للقاهرة وضربة قاضية لسياستها الإفريقية فالدولة المصرية بقيادة المؤسسة العسكرية لن تغفر لهم ضرب أمنها القومي وأن حفتر يحرق أوراقه لدى الجيش المصري الذي كلف خلية بتقييم أدائه ورفع تقارير سلبية بسبب حماقاته كما أن الخلاف بين معركة الكرامة وحكومة السودان سببه ضم حفتر لمسلحي حركة العدل والمساواة من الفور والجنجويد في جيشه واستخدامهم ضد قبائل الجنوب الليبي وهذا قد يؤثر على دعم السودان لمصر في قضية مياه النيل .
وأن معركة الكرامة يقصون القاهرة من المشهد الليبي والإفريقي ويفتحون الباب لمعركة فجر ليبيا ومن ورائها تركيا الأطلسية لتكون حليفة الطوارق والتيار الأمازيغي وبذلك تلعب أنقرا المؤيدة لفجر ليبيا دورا محوريا في شمال وغرب إفريقيا ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير على حساب القاهرة التي خانتها معركة الكرامة كما أن دوران حفتر في فلك فرنسا وتشاد يعمق الكراهية له في نفوس عرب وطوارق الجنوب مثل كراهية السنة والأكراد للمجرم نوري المالكي الذي نصبه الإيرانيين بدعم من الأمريكان ليقتص من الشعب العراقي على هزيمة إيران في الحرب العراقية الإيرانية ومثلما صار أبناء العشائر غرباء في العراق وأصبح الإيرانيين الفرس القادمين من اصفهان وقم ممثلين للشعب في البرلمان وفي الجيش العراقي كذلك أصبح التشاديين والجنجويد وفصائل دارفور حركة العدل والمساواة ليبيين في ممثلين للجنوب في جيش معركة الكرامة وجنودها لسحق قبائل الجنوب .
كما أن دعم تشاد للتبو بعد تورطها في سفك الدم الطارقي و تخلي قبيلة المقارحة إحدى أهم القبائل المؤيد لنظام القذافي في الجنوب عن دعم الجنرال حفتر سوف ينجم عنه تنامي مشاعر الكراهية ضد تشاد وحفتر في فزان على غرار كراهية العشائر السنية والأكراد للمالكي وإيران ويقزم الدور التشادي جنوب ليبيا بسبب رفض القبائل التي استعداها التبو مثل اولاد سليمان والطوارق والمقارحة للدور التخريبي التشادي ثم إن الشعب الليبي برمته ناقم على تدخل دول الجوار " مصر والجزائر وتشاد وفرنسا الاستعمارية " الداعمين لحفتر الساعي لتخريب ثورة 17 فبراير وهو دعم يراد منه إقناع الشعب بأن استبداد القذافي خير مما تلاه من فوضى وفقدان للبوصلة الوطنية التي اتسم بها ما بعده وتسويق الدول التي ساعدت في إسقاط القذافي على أنها مسؤولة عن معاناة الليبيين ليكون عبرة لكل شعب طامح للحرية والتخلص من الاستبداد .
لقد تمنى الليبيين أن تفرز المؤسسة العسكرية وبقية السلطات التنفيذية رجل دولة قوي يوحد الليبيين تحت حكمه يكون بقوة الشهيد عبد الفتاح يونس وتدين وطيبة المستشار مصطفى عبد الجليل نابع من الذات الوطنية لكن اللواء حفتر خيب آمالهم فهو عميل مزدوج متعدد الولاءات استقوى بالمصريين وخدم الأجندة التشادية في الانتقام ممن هزمها في قطاع أوزو وجند حركات دارفور لسحق قبائل الجنوب .
لقد بات واضحا للجميع أن هناك صراع فرنسي – أمريكي في القارة الإفريقية حيث تسعى فرنسا لبقاء الطوارق تحت حكم مالي ضمن نظام لا مركزي اقل مما منحهم اتفاق 1992 كما تدعم فرنسا التدخلات الإقليمية في ليبيا لإفساد ثورة 17 فبراير .
و في المقابل تسعى واشنطن عبر مشروع الشرق الأوسط الكبير لقيام دولة طارقية في شمال وغرب افريقيا ودولة كردية في الشرق الأوسط وقد استنزفت الجزائر طاقاتها في دعم المشروع الفرنسي في مالي وليبيا عبر رعاية اتفاقيات فاشلة وصناعة مظلوميات واهية لتفقد أي دور لها في المشروع الأمريكي الشرق الأوسط الكبير .
ويبدو أن اللواء حفتر والقذاذفة والتبو والزنتان بدعمهم للسياسة الفرنسية المؤيدة لمالي وتشاد والدول الافريقية التي تسعى لحرمان مصر من مياه النيل سوف يضيعون على مصر فرصة الاستفادة من المشروع الأمريكي وأن استنزاف مصر طاقاتها في دعم مراهقة حفتر وحلفائه الموالين لتشاد سوف يفقد مصر دورها الأفريقي المنشود .
خلاصة القول الطوارق هم مهندسوا استقلال ليبيا في الخمسينات وهم العمود الفقري لبناء ليبيا موحدة لكل أبنائها وهم على مسافة واحدة من كل الليبيين وعلى الحياد بين معركة الكرامة وفجر ليبيا وهم المفتاح للتحالف مع الحراك الأمازيغي واجهة المشروع الأمريكي الشرق الأوسط الكبير ومن يبحث عن مصلحته عليه التعاون معهم أما التورط في سفك دمائهم عبر دعم التبو التشاديين فإن له عواقب لاتحمد عقباها .
أبو بكر الأنصاري