تعديل الدستور الحرج المفيد والإفطار السياسي مخرج الحوار المتاح الوحيد؟/ محمد المختار دية الشنقيطي

جمعة, 2016-07-01 11:32

تشهد الساحة السياسية في ليالي رمضان دعوات افطار للسياسيين لا يدعى لها الفقراء، وفي ثقافتنا الشرعية، شر الولائم تلك التي يدعى لها الموسر القوي ويحرم منها الفقير المسكين، وفي الحديث النبوي:"من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، فما يتسرب  اليوم من مجالس

 إفطار السياسيين من حديث عن قضايا الحوار المرتقب، وآليات تحقيق التداول على السلطة يدعوا للخيبة والشفقة، وإن تصدرت النصيحة الشعبية الحكيمة( الفارظة عدله خصله) صدارة المخرج والتبرير.
فما من شك في أن السياسيين المعارضين إن كانوا فعلاً صادقين في عملهم وقولهم أنهم يريدون حواراً وطنياً جامعاً وعملية سياسية يشارك فيها الجميع، وهم في ذلك فلا بد لهم من الموافقة والقبول بتعديل الدستور حتى يتاح للقطب المعارض وصاحب التاريخ السياسي الكبير، والقاعدة الشعبية العريضة، الرئيس أحمد ولد داداه فرصة للمشاركة في الانتخابات، وهم قطعاً لذلك مدركون وبه مقتنعون وعليه موافقون، لكنهم به لا يصرحون، لخوفهم من توظيف الرئيس عزيز له وتمرير التعديل الدستوري المنظور لصالحه، وحصد نتائجه وهو المتحكم في آليات التصويت بل وفي الأصوات، وفي ظل غياب آلية فعلية وعملية لجنة مستقلة للانتخابات، وتحكم الدولة العميقة في الأصوات والتصويت وآلياته، الأمر الذي أثبتت انتخابات ما بعد اتفاق دكار صدقيته ومصداقيته ومشروعية المخاوف من نتائجه ؟!
وما ورد من خطوبة للمعارضة في التصريحات المنسوبة للرئيس، وما تلا ذلك من تصريحات في أحاديث الإفطار من قبل أطراف وازنة في المعارضة بقبول الخطوبة، وإن بتلك اللغة الموغلة في  الحياء والتوجس والخوف، سجايا وسمات البكر المخطوبة في بيئة الأبوة ومجتمعات الحياء، فهو عين الحقيقة وخلاصات الطرفين المتنافسين من كل المدافعات السياسية الماضية، وليس ما صدر من كلا الطرفين في الأمر مجرد مغازلة ووعود، أو انحناء عابر أمام العاصفة كلا وألف كلا، بل إنما هي حقائق عند القوم فرضها فشل الممارسة، وقناعات الضغوط الخارجية في ضرورة وحتمية البحث عن صيغ سياسية مقبولة لتعديل الدستور يعلن عنها وعن تداعياتها وتبعاتها بتلك الطريقة، بدوافع، ولأسباب عديدة لها أبعاد وخصوصيات متنوعة ومتباينة تخص كل طرف بنوع من هواجس الخوف والضغط  في نوعيتها، قد لا تكون بنفس الدرجة من الضغط علي الطرف الآخر وبنفس الأولوية والجدية، فمثلاً الرئيس عزيز واقع فيما ينسب إليه من تصريحات تحت الضغط الخارجي الأمريكي والفرنسي، وبدوافع متباينة ومختلفة، عند الأمريكيين والفرنسيين، وليست استجابته بقناعة بالمطالب الوطنية المحلية والداخلية، والإسلاميين مثلا في المعارضة، واقعين تحت ضغط تهديد سلطة العسكر وتشكيلات الدولة العميقة، بالحل والإلغاء بعد بيات الربيع العربي، وحصار الإسلام، السياسي والجهادي وما يسمى عالميا بالحرب على الإرهاب، ومعارك البقاء والوجود لأنظمة الاستبداد في المنطقة ؟
والصحيح المقبول مصلحة وطنية أن التعديلات الدستورية فيها إثم كبير، وبعض المنافع لبعض الناس، وإن تفوق الإثم السياسي فيها على منافع المصلحة الوطنية، إلا إذا قدر لصناعتها وصياغتها أن تستجيب وتلبي تلك الحاجات الدستورية الناقصة أو الضعيفة، وتضمن سد الثغرات الواضحة البينة الموجودة في أغلب القوانين، والمراسيم، لتحقق تلك التعديلات بذلك نقلة دستورية نوعية وحقيقية، ولاسيما إذا صيغت تلك التعديلات صياغة دقيقة واضحة معبرة عن التطلعات الشعبية، ووجهت بحيث تتم فيها الاستجابة العملية لتفعيل غرفتي البرلمان وتعزز صلاحياتهم، وتجعل الوزير الأول ينتخب من البرلمان، وبصلاحيات حقيقية، وتكون الحكومة منبثقة عن نتائج الانتخابات، التي تكون نتاجاً لعمل لجنة مستقلة للانتخابات تكون حقيقية لا دعاية، والفصل التام بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وإلزام الأحزاب السياسية بمناهج تكون فيها الأحزاب مؤسسات مجتمعية لا أحزاب أشخاص أو فئات أو شرائح أو جهات خاصة، وعند ذلك سنستحق قطعاً أن نسجل في نادي الدول الديمقراطية الحقيقة ولو كره الكارهون ؟!
في بداية التسعينات من القرن الماضي كادت في المجتمع، والسياسة، والإعلام، أن تبدأ عندنا عملية انسلاخ وتحرر من براثين القبلية والجهوية والعسك ديكتاتورية، وهيمنة أجهزة وزارة الداخلية، قلعة الاستبداد، وصانعة الفساد، وحارسة التخلف، وبدأت تظهر وتتبلور فئات مستعدة لتنتفض في وجه تلك التشكيلات، التي تجسد مظاهر الدولة العميقة، وبدأت تلك الطلائع وكأنها تعمل على زرع بذور الأمل في الدولة والسياسة والثقافة والعلم، وتطهير البلاد من رجس تلك التشكيلات وأوثانها، وزخرف منا فعها، وما تقدمه من منافع لأفرادها في عملية سطو واحتلال لوظائف الدولة الغائبة.
فرأينا في تلك الأيام ملامح أصوات الأمل تنبعث من عرين وعمق القبائل ومن داخل مؤسسات الجيش، وبعض العلماء والمفكرين، ومن السفراء والدبلوماسيين، والصحفيين، وحتى من من كانوا يعتبرون رجس حماة الدولة العميقة وسماسرة المؤسسة العسكرية الحاكمة للدولة، والمتحاكمة عن بسط الحرية والعدالة وبناء مؤسسات الدولة، فسمعنا تلك الأصوات تتبرأ من تلك التشكيلات لمؤسسات الدولة العميقة، وينخرطون في الدعاية للتبشير بالديمقراطية، ومحاولة العمل على بناء مؤسسات تجسد مفاهيم الدولة، وتشرح معاني الديمقراطية؟!
لكن الثورة المضادة التي حركتها تشكيلات الدولة العميقة كانت أقدر على الفعل وأقوى على التأثير، وذلك لما تملكه من أدوات الفعل وآليات النجاح، فتقدم للمدافعة والكسب السياسي والهيمنة على مفاصل الحياة ومؤسسات الدولة والمجتمع، وأغلب الأحزاب الفاعلة في الساحة من يعرفه منا الأول والآخر، من من لا توجد له حسنات شافعة في السياسة ولا عمل ناجح في الإدارة، ولا لسان صدق في الواقع، ولا سابق بذل وعطاء في العلم والإنفاق ، وهو في الغالب الشريك الظالم الحقيقي، والوريث الشرعي لسلوك وممارسات تشكيلات الدولة العسكرية العميقة، والابن السفاح، الذي لم يرضع من الدولة العميقة لبن الكفاءة والنزاهة والوطنية، إن كان قد وجد فيها شيء من ذلك، وإن كان أولئك الفاسدون المفسدون في غالبيهم من أبناء هذا البلد، شحما ولحماً، لكنهم في السياسة وتدبير شأن موارد البلد ومؤسسات الدولة، فساد وظلم وظلمات بعضها فوق بعض؟.
المنظور والمضامين والإغراض التي ترجى عند القوم من تعديل الدستور، لو صح ما يقال فيه وعنهم، فإنه يؤكد للحقيقة والمواطن ودون شك ذلك المستوى والقدر من الاستخفاف الذي يمارسه كل السياسيين في حق الشعب ومصالحه وقضاياه الوطنية الكبرى، ومدى التلاعب والاستخفاف بثوابته وأركان وحدته الوطنية، ومقوماته الدينية والسياسية والمجتمعية ويثبت أن هلع الخوف وتلاعب طمع السياسيين أصبح بلا حدود ولا قيود ولا ضوابط !!.
وهؤلاء السياسيين والقادة في المعارضة والموالاة لا يندر فيهم من يوسم بالانتساب والتمثيل لقلعة إذلال المواطن ونشر الفساد وزارة الداخلية بكل أجهزتها، والتي في جميع المراحل والظروف هي على أهبة الاستعداد، الابتكار وتطوير الوسائل والأدوات والأساليب لإفساد الإدارة والسياسة والحكم والانتخابات ونتائجها، وأفضل وسائلها وأضمن آلياتها لتحقيق ذلك وإنجاحه هي تلك العينات الرديئة من  موظفي مخابرات السياسة الذين زرعوا ووزعوا هذه المرة بعدالة وإنصاف على جميع الأحزاب والمنظمات وهيئات المجتمع المدني في ظل هيمنة وسيطرة رسل الدولة العسكرية العميقة على كل مفاصل الحياة السياسية والمجتمعية، ومحاصرة كل الشانئين والمناوئين لكل تشكيلات الدولة العميقة، فكان الناتج هو هذا الضياع الذي نشاهده في كل شيء ؟!
فما تسرب من ما يرد في أحاديث دعوات الإفطار التي لا توجه للفقراء والمساكين فيها بطاقة واحدة، وفي فلسفتنا الشرعية أن شر الولائم تلك التي يدعى لها الأغنياء ويحرم منها الفقراء والمساكين، والظاهر أنها ولائم لا يبتغى بها لا وجه الله ولا الدار الآخرة، فما يرد من قضايا في أحاديث المتحدثين، يدل ويبرهن على أن جميع السياسيين في الأغلبية والمعارضة عندنا يمتهنون في السياسة ويشتغلون في الممارسة بعقلية المخادعة والتزوير والتمرير، وأن ديمقراطيتنا وأحزابنا وتجمعاتنا السياسية ما زالت في تكوينها وسياساتها أقرب إلى الهزل واللعب منها إلى جدل السياسة والحوار والمدافعة والجد في الكسب والصدق في الممارسة، وهي تدعي أنها ما وجدت ولا تعمل في ساحة الامتحان إلا لتأكد المضي في العمل الوطني والخروج للجد في القول وطرح، وهي كذلك تدعي تبني القضايا الوطنية العامة في سياستها وعملها، لا القضايا والمصالح الشخصية الضيقة ؟
وقميص عثمان عند الطرفين، التعديلات الدستورية الهادفة لرشد التناوب السلمي على السلطة، وحكمة الحكامة السياسية، لاحت ملامحها في الأفق السياسي المنظور، وتصور السياسيين وقناعات الفاعلين، وبدأت تسرد تصريحاً أو تلميحاً مبرراتها عند السياسيين المقتنعين في المعارضة والموالاة أن لا لقاء بين الفاعلين ولا مخرج للسياسيين من أم الأزمات (التداول على السلطة)، دون تلك التعديلات، والخطر الفعلي والعملي على الديمقراطية وحماية المكتسبات الوطنية(الدستور) هي تلك التعديلات الحتمية والتي يصدق عليها مثلنا الدارج( ما في الويل خير ولا في الدندين راحة)، ويبقى المخرج الوحيد المتاح، هو الدواء المر والكي الحار بنار السياسة، تعديل الدستور، والحقيقة المرة والحلوة أن التعديل يجب أن يطال بداية ونهاية الفاعلين والسياسيين في البلد قبل أن يطال الدستور؟!
والصحيح الثابت بعد ذلك أن الرئيس، في إدارته وأنصاره، غارق في المشاكل والأخطاء وأمامه قدر كبير من الجرائم والمظالم المرتكبة في حق الوطن والمواطن الأمر الذي يجعل عدم حلها وإنصاف ذلك الكم الهائل من الأشياء والقضايا والناس المظلومين، يبرر المطالبة برحيله ورفض تعديل الدستور لصالحه، وهذا رئيس الوزارة البريطانية يرحل عن كرسيه وحكم شعبه لأنه فشل في إقناع شعبه بالتصويت للبقاء ضمن اتحاده الأوربي، وأنت يا سيادة الرئيس تحكم منذ سبع سنوات، بمنظومة عشش فيها الظلم والاستبداد وعجزت عن محاصرة الفساد، وكادت لك بتزوير إرادة الشعب، وبددت خيراته وتلاعبت بموارده وأفسدت مؤسساته، وبتزويرها وفسادها وانتشار الرشا بين أفرادها، حرمت البلاد والعباد من استثمارات غيرها، وضيعت رجال أعمالها، وحزبك الذي يزعم أنك تحكم به يتشكل في غالب رؤوسه من متزلفين مترفين فاسدين مفسدين بما نهبوا من خيرات الشعب وبشتى الوسائل وأنواع التسلط والتحكم وبما في ذلك استعمال سلطان الدولة وصولجان الحكم والأمن؟!
وأما الأحزاب الموالية والمعارضة لك فهي في غالبها تضم في تشكيلها قدرا كبيرا من خريجي تشكيلات فساد الدولة العميقة تماماً مثل حزبكم يا سيادة الرئيس وهي في ديمقراطية المشاركة في التخطيط وصناعة القرار وتدبير وتسيير شأن الأحزاب والانتخاب للهيئات الحزبية وحتى رئاسة الحزب لا تتفوقون عليها في فساد الآليات والابتعاد عن الديمقراطية، فهي في حقيقة الديمقراطية ما بين متردية ونطيحة وما أكل السبع، وقليل منها من ينطبق عليه مفهوم التذكية الديمقراطية، وهي لا تختلف في حقيقتها وطبيعتها عن العيادات والمدارس الحرة وحتى بعض الدكاكين في البلد تماما مثل أغلب مؤسسات الدولة وفي ظل الأنظمة العسكرية النكدة المنكوبة بها هذه البلدة المظلومة والظالم الكثير من أهلها ؟..
والمعروف عن أغلب الأحزاب السياسية في البلد أنها أحزاب أشخاص، كحزب الاتحاد الذي هو ملك للرئيس محمد ولد عبد العزيز، وله في الساحة نظائر، والنادر القليل من الأحزاب الذي لا ينسب لشخص بعينه، فإنه في حقيقته للحركة السياسية الأيدلوجية السرية أقرب منه للحزب السياسي الديمقراطي المعروف بشكله ولونه، فهو في تسيره وطريقة تمثيل الانتخابات فيه: والتي تجري على طريقة الحركات السرية المحظورة ولا وجود في انتخاباته وطريقة تسييره لما هو معروف في الديمقراطية من مشاركة المنتسبين له في تسييره وصناعة القرار والانتخابات داخله، والتناوب السلمي على قيادته، فكل ذلك في تلك الأحزاب الأيديولوجية من نصيب الحاشية المقربة من الزعيم، والتي يعمل مقصها في الليل والنهار في كل من لم يرضع فكره وتصوره، وحبه وكرهه، وحتى ذوقه وحكمه على الأشياء فكل ذلك من الزعيم، الملهم وحده والمفكر وحده، والذي له الحق أن يفكر عن الجميع، ويقرر للجميع كيف يكون وعلى أي شكل يكون، والحاشية المقربة تمرر وتقص وفق التقدير والمقاسات التي يقررها الزعيم وحده، ولا وجود ولا قبول في طبيعة وممارسات تلك الأحزاب لا للديمقراطية بمعنى المساواة والتكافؤ في الفرص والتنوع في الممارسة والتفكير، ولا حتى لما فطر الله عليه خلقه جبلة وقدره لهم تقديراً، قال تعالى:{ ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} .
وأما بقية الأحزاب الميكروسكوبية الأخرى فلا تعدوا كونها دكا كين - وليست طبعاً دكا كين أمل- وبضا عتها إن كانت لها فزبائنها ليسوا من الفقراء ولا الأغنياء ولا تقول ساحات السياسة ولا ميادين العمل أن لها منتسبون ولا أنصار ولا أظن أن لها قاعدة أكثر من مؤسسيها، وأغلب برامجها هي وجود رئيسها مالكها المملوك لتشكيلات الدولة العسكرية العميقة ؟!
هذه هي السياسة عندنا الخالية في تدبيرها من الاستقامة والهدى، وتلكم هي ديمقراطيتنا النادر في من يقودونها من الرؤساء الحكمة والرشد، ومع ذلك لا أنكر أنهم قد يكونون من من تتنزل عليهم معنى الأحاديث التي روتها نساء، كن فاعلات حاضرات مشاركات، كحديث أم سلمة المخرج في صحيح مسلم، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ، في بيان شأن العلاقة بالأمراء، فقالت، قال:" ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع. قالوا أفلا نقاتلهم قال: لا ما صلواْ"، وفي رواية لأبي داود:" فمن أنكر بلسانه فقد برئ، ومن كره بقلبه فقد سلم، ولكن من رضي وتابع".
وفي شعب البيهقي من ما صححه الألباني، عن سعيد بن تميم- رضي الله عنه، قال:" قيل: يا رسول الله ما للخليفة من بعدك؟ قال:" مثل الذي لي، إذا عدل في الحكم، وقَسَطَ في البسط، ورحم ذا الرحم، فمن فعل غير ذلك فليس مني ولست منه". ، فالحديثان يبينان أن للحاكم إذا عدل حق الطاعة وحق الإعانة، إذا بسط في الحكم العدل بين الناس في حقوقهم ومنازعاتهم، وإعطاء كل ذي حق حقه، وقسط في بذل الأموال العامة للناس وصرفها في مصالحهم، دون تحيز أو محاباة، وأنصف بشفافية ورحمة وحسن معاملة، وهكذا قال- صلى الله عليه وسلم-:" فمن فعل غير ذلك فليس مني ولست منه".وفي البخاري عن عروة بن الزبير أن الزينب بنت أبي سلمة أخبرته أن أم سلمة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- أخبرتها عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه سمع خصومة بباب حجرته فخرج إليهم فقال:" إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له بذلك فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها"
وفقهاء المقاصد والمتخصصون في استخراج الأحكام السلطانية من الأدلة الشرعية يقولون أنه وبعد استقراء كل نصوص الشرع من الوحيين وأحكامه واستنباطات العلماء وشهاداتهم، فإنه يمكننا استخلاص أهم السمات الفارقة بين الحاكم العادل الراشد، والحاكم الظالم الفاسد-والمقصود بالحاكم هو كل مسئول يحكم على قوم سواء كانوا حزبا، أو جمعية، أو منظمة، أو جماعة، أو أسرة، كما هو واضح بين في حديث ،عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول :" كلكم راع ومسئول عن رعيته فالإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته قال فسمعت هؤلاء من النبي- صلى الله عليه وسلم- قال والرجل في مال أبيه راع ومسئول عن رعيته فكلكم راع ومسئول عن رعيته".وتلك المعايير والسمات والضوابط هي على نحو ما يلي:
الحاكم الذي يطلب السلطة والحكم ويحرص عليه، ويطلبه بكل السبل الممكنة، ويعتبره مغنماً ومكسباً وفوزاً، حاكم فاسد، بخلاف من يطلبه الناس ويستنهضونه، ويرشحونه لحكمهم وولايته عليهم، ويعتبر الحكم أمانة وتوكيلاً، فهو حاكم راشد .
والحاكم الذي يتولى الحكم عن شورى واختيار ورضا من الناس حاكم راشد، ومن يتولاه عن كره من الناس، بغصب، أو تزوير، أو قوة، أو وراثة حاكم فاسد .
والحاكم الذي يجعل أمور الحكم، والمصالح العامة، شورى بينه وبين العلماء وأهل الخبرة والاختصاص، وعامة الشعب هو حاكم راشد، ومن يستبد بتلك الأمور، ويحسر تدبيرها في نفسه، فهو حاكم فاسد .
والحاكم الذي يخص نفسه ومقربيه بالقوة والمنعة والأبهة، والترغيب والترهيب حاكم فاسد، ومن يخص نفسه بالعدل والإحسان والحب والوفاء حاكم فاسد .
والحاكم الذي يسمع النص ويقبل النقد والاعتراض والنصح، بل يطلبه ويحبه، حاكم راشد، ومن يرفض ذلك، ويمنعه، ويعاقب عليه، حاكم فاسد .
والحاكم الذي يتصرف في الأموال العامة، وفق الحق والعدل والأمانة والوضوح، ووفق ما يخدم المصالح العامة، ويقبل المراجعة والمحاسبة في ذلك، هو حاكم راشد، ومن يتصرفون فيها على مقتضى أمزجتهم وعلاقاتهم ومصالحهم الخاصة هو حاكم فاسد، وفي صحيح البخاري عن خولة الأنصارية قالت: سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول:"إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة" .

اقرأ أيضا