قمة الأمل و ما تقتضيه من عمل / محمد الأمين ولد الكتاب

خميس, 2016-07-21 13:02

يشكل احتضان موريتانيا للقمة السابعة و العشرين  للجامعة العربية ما بين 25 و 26 من شهر يوليو 2016، مسؤولية جسيمة  يقتضي الارتقاء إلى مستواها جاهزية كبيرة  و استعدادا محكما يتمثلان ، من بين أمور أخرى في:

- تعبئة كل الوسائل  اللوجستية  الضرورية .
- توفير الظروف الأمنية التامة و المحكمة.
- التوفر على مصداقية كبيرة  موجبة لثقة القادة العرب و كبار المدعوين، في مقدرة موريتانيا على  النهوض بما يستلزمه الحدث من متطلبات و اشتراطات.
- وجود وعي عميق لدى قادة البلاد بطبيعة ما تواجهه الأمة العربية في الوقت الراهن من تحديات خطيرة  و ما عليها كسبه من رهانات مصيرية.
- بلورة خطة استراتيجية متعددة الأبعاد  للتعاطي مع التحديات  القائمة  و كسب الرهانات المستهدفة.
- استغلال انعقاد القمة  العربية في بلادنا  لإبراز موارد البلاد الفكرية و الاقتصادية  و ما تتيحه هذه الموارد من إمكانيات للاستثمار المربح  للفاعلين الإقتصادين و الثقافيين  العرب، ناهيك عما قد تخوله  المبادرات العربية في هذا المضمار من إشعاع فكري و نفوذ سياسي  للبلدان العربية  في إفريقيا السوداء، التي تعتبر بلادنا  بوابتها  و السبيل السالك إليها  ، و ذلك في وقت يسعى الكيان الصهيوني جاهدا  للتغلغل في القارة  تمهيدا لبسط نفوذه عليها.
ولكي نقيّم جاهزيتنا و نستكنه أهليتنا  للاضطلاع بما يلقيه الإعداد المحكم لهذا الحدث  الكبير على عواتقنا من مسؤوليات، نعمد في ما يلي إلى تفحص كل عامل من العوامل المذكورة على حدة :
1- تعبئة الوسائل اللوجستية
لقد جندت الدولة  كل وسائلها و رصدت غلافا ماليا ضخما لتأهيل و توسيع و تحديث البنى التحتية  بالعاصمة ، حيث تم توسيع و تبليط جل شوارعها  و طرقاتها  و قيم  بإصلاح و تقوية و طلاء  الأرصفة  المحاذية للطرق المعبدة و زيد في عدد أعمدة الإنارة ،  و صير إلى استصلاح و صيانة إشارات المرور في ملتقيات الطرق. كما تم فتح مطار نواكشوط الدولي أم التونسي أمام الملاحة الجوية.
و العمل جار على قدم و ساق لتوسيع و تحديث و تجميل واجهة و مختلف مرافق قصر المؤتمرات الذي عززت منشآته  بخيمة عملاقة ذات هندسة متغيرة ، تسع كل ما تستلزمه أعمال أكبر المؤتمرات  من معدات و تجهيزات  ووسائل تقنية     و تنظيمية . هذا فضلا عن اتخاذ كل الترتيبات  المتصلة باستقبال  و نقل و إيواء  كافة ضيوف البلاد و كذا تأمينهم و ضمان سلامتهم و راحتهم و طمأنينتهم. و قد ترتب عما قامت و تقوم به الدولة من جهود جبارة  استعدادا لتنظيم القمة، تغيّر ملحوظ لمظهر العاصمة  التي بدأت تتخذ ملامح مدينة نقية  عصرية جذّابة. و هذا في حد ذاته مكسب كبير ينبغي الحفاظ عليه و صيانته في المقبل من الأيام.
2- توفير الظروف الأمنية الضرورية
لقد قامت السلطات الوطنية  باتخاذ كل التدابير الأ منية الضرورية لصيانة أمن و سلامة و طمأنينة  كل الضيوف المتوقع تواجدهم  ببلادنا لحضور قمة الأمل.حيث ستتولى قواتنا المسلحة و الدرك و الحرس الوطني و رجال الأمن  السهر على استتباب الأمن و الأمان و السكينة و الاطمئنان و القيام بكل ما يستوجبه ذلك من إجراءات طوال جريان أعمال القمة. وهذه مسؤوليات  أثبت قوات أمننا مقدرتها التامة على الاضطلاع بها على الوجه الأكمل  حتى بمعزل  عن هذا الاستحقاق الهام.

3- توفر البلاد على مصداقية موجبة لثقة القادة العرب
لا مراء في أن بلدنا  يتمتع الآن أكثر من أي وقت مضى، بعلاقات جيدة وودية ، قائمة على الاحترام المتبادل مع جل الدول العربية و الإفريقية و الأوروبية وغيرها، نتيجة للمقاربة الدبلوماسية السليمة التي اتبعها ، و نتيجة كذلك لما برهن عليه  من صلابة و حنكة و مقدرة  مثيرة للإكبار و التقدير في ما يتصل بمواجهة أنشطة عصابات التهريب  و الاتجار بالأسلحة و المخدرات، و كذا مقارعة  الحركات الإرهابية في المنطقة . فضلا عن الإدارة الحكيمة لشطط و غلواء  معتنقي الفكر السلفي التكفيري في البلاد.
إن المقاربة العقلانية و المتعددة الأبعاد التي بلورتها موريتانيا في هذا المضمار، استرعت انتباه العديد من البلدان بما فيها الدول الغربية التي أولت هذه المقاربة  المتفردة  اهتماما كبيرا، ما جعل هذه البلدان تحرص على إقامة تعاون وثيق مع البلاد في مجالات مواجهة الهجرة السرية  و محاربة الحركات الإرهابية في الفضاء الساحلي المغاربي. كل هذه الاعتبارات و كل التقييمات التي كانت موريتانيا موضعا لها من قبل شركائها الأفارقة و الغربيين، أكسبت البلاد مصداقية ملحوظة لم تكن لتغيب عن البلدان العربية و غيرها. و هذه المصداقية هي لتي شكلت  الدعامة الأساسية لثقة البلدان العربية في أهلية و مقدرة  موريتانيا  على ا حتضان القمة السابعة و العشرين للجامعة العربية و توفير كل ما يستوجبه ذلك من ظروف مواتية  و شروط ملائمة.
4- وجود وعي لدى الساسة الموريتانيين بطبيعة التحديات و الرهانات القائمة
يدرك الساسة الموريتانيون بجلاء ما ينطوي عليه السياق الدولي المأزوم الحالي من مخاطر بالغة التأثير على العالم العربي،كما يعون تمام الوعي جسامة التحديات التي تواجهه في الظرف الحالي و التي تمثل أساسا  في :
أ‌-  النتائج الكارثية التي انجرت عن الحروب العدوانية  المدمرة التي شنتها الدول الغربية  المتنفذة على كل من العراق و ليبيا.
ب‌- النوايا المبيتة  لدول غربية بعينها  لتقسيم العالم العربي إلى كانتونات  صغيرة على أسس عرقية و دينية و طائفية، و تحو يل هذه الكانتونات إلى كيانات هزيلة فاشلة  لا تملك قرارها ولا تتحكم في مصائرها.
ج‌- استفحال الإرهاب التكفيري الدموي و تناميه السرطاني  في جسم الأمة العربية  و في الفضاء الإسلامي بوجه عام  بتشجيع و دعم مباشر و غير مباشر  من دول كبرى غربية تزعم أنها تحاربه وهي أبعد ما تكون عن ذلك.
د‌- تمادي الكيان الصهيوني المدعوم من الغرب في ابتلاع المزيد من أراضي الشعب الفلسطيني على مرأى و مسمع من العالم الذي يتفرج على هذه المأساة  دون أن يحرك ساكنا من أجل إيقافها أو الحد من عنفوانها.
ه‌- التغلغل الإيراني في العالم العربي مع ما يترتب  عن ذلك من حروب أهلية  نتيجة لتأجيج مشاعر الطائفية المذهبية  و الشوفينية العرقية ، حيث نجحت إيران  في بث الفرقة  و زرع الشقاق و التنافر و العداء بين المجموعات العرقية و الدينية و الطائفية و المذهبية في كل من سوريا و العراق و لبنان و الين و الحبل على الجرار. و قد أدى تغلغل إيران في سوريا و العراق و إخضاعهما  لنفوذ ولاية الفقيه و تسخيرهما  لخدمة أجندات الملالي الفرس، أدى ذلك إلى قيام  شبيحة متغولة و ميليشيات دموية فتاكة مؤطرة و موجهة من طرف الحرس الثوري الإيراني و تتلقى أوامرها من طهران. ولا يضاهيها في الدموية و الهمجية إلا الإرهابيون التكفيريون الدواعش.
و لا ينحصر العمل الهدام  الإيراني في سوريا و العراق و لبنان  بل امتد إلى اليمن عن طريق الميليشيات الحوثية و يسعى جاهدا إلى النفاذ  إلى دول الخليج العربي بدءا بمملكة البحرين  وصولا إلى المملكة العربية السعودية و باقي دول الخليج بل وكل أقطار الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه.

5- خطة إستراتيجية يمكن اعتمادها لمواجهة الأوضاع العربية  القائمة
إن رفع التحديات الكبيرة  التي تواجه الأمة العربية بفعل السياق  الدولي المأزوم الراهن كما ذكرنا ، و كسب  الرهانات  الحيوية  التي يتحتم كسبها تحت طائلة الإرتكاس  و التقهقر، يستوجبان بلورة خطة استراتيجية متعددة الأبعاد و التجليات  من شأنها أن تخلق و تعمق الوعي لدى البلدان العربية بضرورة توحيد جهودهم من أجل خدمة أهدافهم المشتركة و تعبئة كل وسائلهم و إمكانياتهم بغية الوقوف صفا واحدا في وجه الأخطار التي تستهدف أمنهم و استقرارهم و سلامة أراضيهم. و هذه الخطة الإستراتيجية التي ليس من المستبعد أن تقترحها موريتانيا  في صيغة أو أخرى على هذه القمة ، ينبغي أن تحدد أساليب العمل التي يجدر انتهاجها في شتى المجالات  و على مختلف الصعد.
فعلى الصعيد الجييو سياسي  يلزم توحيد النظرة إلى المخاطر الجسيمة  التي تتهدد كيان الأمة العربية بصرف النظر عن اختلاف الأنظمة القائمة بها وصولا إلى تكامل العمل السياسي و تنسيق السياسات الخارجية و توحيد المواقف  في المحافل الدولية  حيال القضايا المصيرية للأمة. كما أنه قد أضحى من الملح اليوم أكثر من أي وقت مضى ، العمل على إقامة قطب عربي منسجم  يرمي إلى تحقيق الندية  مع القطبين الإقليميين المجاورين التركي و الإيراني، ما يقتضي وضع حد نهائي للتجاذب و التدافع و المكايدة و التدابر التي تعاني منها أقطار الأمة العربية راهنيا. و التي تسبب لها الوهن و ضعف التأثير في مجريات الأمور إقليميا و دوليا. هذا على المدى القصير، أما على المديين المتوسط و الطويل،فإنه بات من الضروري بلورة خطة عمل متكاملة  ترمي إلى تعزيز التعاون وتنسيق الجهود مع دول ما يسمى ب " لبريكس" الصاعدة : الصين و الهند و البرازيل و المكسيك و إفريقيا الجنوبية و كوريا الجنوبية إضافة إلى ماليزيا و اندونيسيا و الباكستان و غيرها من القوى الإقليمية الفاعلة  .
وينبغي أن لا تغفل هذه الإستراتيجية توظيف التناقضات  بين القطبين الكبيرين روسيا و الولايات المتحدة الأمريكية الذين أثبتت التجربة أن لا معول على ديمومة  صداقتهما و لا على حرص أي منهما على مراعاة المصالح العليا للدول العربية. و لقد آن لأوان أيضا أن تتبع السياسات  الملائمة  و تحشد الوسائل  اللازمة  لخلق مجموعات ضغط  تخدم المصالح العربية في كل من الولايات المتحدة و روسيا و كبريات دول الإتحاد الأوروبي ، حيث أن هذه البلدان  لا صوت يعلو فيا على صوت المصالح، و كل شيء فيها قابل للمقايضة و المساومة و المزايدة في ظل ازدواجية المعايير و الكيل بأكثر من مكيال السائدة فيها.إضافة إلى تكييف المواقف حسب تأرجح موازين القوى. ومن لم يفهم هذه المعطاة لم ولن يستوعب المنطق الذي يكمن خلف تصرفات الدول الغربية و العوامل المحددة لمواقفها.
و على الصعيد لاقتصادي ، فقد بات  من الملح إعادة النظر في الاعتماد الكامل على مصادر الطاقة الأحفورية و الشروع بالسرعة المستطاعة في  العمل على تطوير موارد اقتصادية موازية ، من بينها الطاقات المتجددة  و الثروات المعدنية و الزراعية و الرعوية إضافة إلى تطوير اقتصاد التقانة و التواصل و الاتصال و الرقمنة  وتطوير قطاعات الخدمات وتحفيز الاختراعات في شتى مجالات الحياة. و لا ريب أن من الوارد ومن الضروري  العمل دون توان على إنشاء سوق عربية مشتركة قوامها حرية تنقل الأشخاص و البضائع و الرساميل  مع تسهيل و تبسيط إجراءات الاستثمار و الاستقرار  في كل الفضاء العربي. إذ أن من شأن ذلك أن يحول هذا الفضاء في اقصر الآجال  إلى قطب اقتصادي  مترامي الأطراف و كبير التنافسية يحسب له حسابه إقليميا و دوليا.
و على الصعيد  الفكري و العلمي  فلا مندوحة عن تكثيف و تنسيق الجهود  لتوسيع نطاق محو الأمية و لرفع نسبة التمدرس سيما تمدرس البنات وكذا إعطاء أهمية خاصة  لتدريس العلوم  الدقيقة  و التقانة و الفلسفة  ، سعيا إلى ما يفضي إليه ذلك من إرساء لدعائم العقلانية و تقوية الحس النقدي و مراعاة المنطق في التفكير  و اعتماد مقاربة النسبية  المنافية لليقينية الكليانية و التعصب  الأعمى   الذي قد يقود إلى فكر تكفيري متغول ينتهج العنف و الترويع ويتوسل الإرهاب  الفكري سبيلا إلى الانتشار و الذيوع و الهيمنة بدعوى احتكار الحقيقة المطلقة الغير قابلة للنقاش.
و من جهة أخرى يتوجب تضافر الجهود و حشد الوسائل الضرورية لتطوير تعليم عال يراعي متطلبات النمو الاقتصادي و التطور العلمي و الارتقاء الحضاري. ولعل أنجع وسيلة لذلك هي العمل على إنشاء أقطاب جهوية  متميزة للتعليم العالي حسب توزيع الموارد الإقتصادية داخل فضاء الوطن العربي مع إيلاء عناية فائقة  للبحث العلمي الأساسي و التطبيقي مع الحرص على ربطه  بما تحتاجه سوق العمل العربية  من رأس مال بشري عالي التأهيل.
هذه في عجالة بعض ملامح خطة استراتيجية  شاملة  و متعددة الأبعاد قد يكون من شأن نظر قمة الأمل في كل أو بعض جوانبها ان يفضي ولو جزئيا إلى تخطي الجمود الذي تعاني منه أوضاع الأمة العربية  حاليا  وصولا إلى تلبية طموحات الشعوب العربية  وإلى الاستجابة  لتوقعاتها و  تحقيقا  فوق هذا و ذاك لما تنيطه هذه الشعوب  من آمال عريضة  بهذه القمة  التي أطلق عليها اسم "قمة الأمل". و هذا الأمل الذي تنتظر تحقيقه الجماهير العربية  بفارغ الصبر ، لا يجمل بالقادة العرب أن يخيبوه و لا أن يخذلوا الشعوب العربية  التي لم تعد تتحمل ما تعانيه بلدانها  من فرقة و وهن و تبعية و هوان رغم إمكاناتها الهائلة  ووسائلها الضخمة. و لا باس في هذا المقام أن يستحضر العرب في قمة الأمل هذه، قول شاعرهم أبي الطيب المتنبي: " ولم أر في عيوب الناس عيبا        كنقص القادرين على الكمال.

 

نواكشوط 21 يوليو 2016

اقرأ أيضا