عن الفساد / إسماعيل الشيخ سيديا

جمعة, 2016-08-12 10:03

حتى نكون واقعيين أكثر في حكاية الفساد، لنضع الأمور في نصابها. إذا لم يكن للإدارة العمومية في موريتانيا،من أجهزة الرقابة سوى المفتشية العامة للدولة فهذا فساد بحد ذاته. لأنه إفراغ للمفتشيات الداخلية في الوزارات من محتواها وإغفال لأدوار محكمة الحسابات والرقابة المالية وحتى النيابة

 العامة والبرلمان والمجالس العليا للفتوى والمظالم و"الإسلامي".
ثم إن المفتشية العامة للدولة نفسها تضم أطرا اكتتبوا أو عينوا أو انتدبوا من قبل السلطة التنفيذية بطرق تحتاج هي نفسها إلى تفتيش.
الطريق إلى مكافحة الفساد يبدأ بدرء المفاسد أولا وأخيرا.
فبالله علينا كيف نعين آمرا بالصرف يحمل شهادة أو شهادات عليا ويتمتع بعقل راجح ونطلب منه تسيير المليارات مقابل راتب زهيد؟ لا يغطي حتى ثمن ربطات عنقه! أحرى بذلاته وحوائج عائلته الكبيرة والصغيرة .
وللواقعية أيضا وقع على الأنفس والأرواح حين أقول إن صديقي يعمل مستشارا لوزير وله راتب لايغطي تكاليف دراسة أطفاله وإيجار منزله! فكيف إذا طلبنا منه غدا أن يحمل نفس الراتب إلى مؤسسة عمومية؟
كلنا يعلم أن الأحوال تتغير وأن الرواتب في بلدنا تزداد بشكل سلحفاتي احتفالي في وقت تستذئب فيه الأسعار والمسلكيات.
لاشيء يزيد المجتمع هشاشة وفقرا أكثر من امتهان الطبقة المتوسطة وابتذالها وإفقارها .
وليتنا درأنا الفساد بعيدا عن التزمير والتبويق واستعنا بمبدإ إبعاد الموظف العمومي أيا كان من الحاجة وإبعاد الحاجة منه. ألم يكد الفقر أن يكون كفرا؟
سرقات العقلاء من حملة الشهادات المضطرين لا يمكن نبشها بسهولة، والمسكوت عنه في تسيير المال العام في موريتانيا -وفي غيرها- هو "العمولات الارتجاعية" التي عمت وشاعت وذاعت، وأصبحت ترى على زركشات الأباريق وشاشات الهواتف ولوحات السيارات وأطراف الملاحف ومداخل البيوت، والغائب الأكبر هو الإجابة الأزلية على السؤال السرمدي : من أين لك هذا؟
نحن من يدفع الناس إلى مد أياديهم إلى ما ليس لهم. نجعلهم على خزائن الأرض فارغي الجيوب في حالة افتتان وقحة ونحاسبهم على شيء متوقع.
كيف لشرطي مرور شاب -مثلا- دخل عش الزوجية حديثا أن يعيل بيتا متكاملا دون أن يملك بيتا وراتبا متفقا عليه وسوقا رحيمة ومراقبة، ودون أن يستجدي كبار المارة أو كبار الضباط أو كبار الجن ؟ والأمثلة كثيرة والقائمة تطول.
لقد أبعدنا القضاة وأساتذة الجامعة والأطباء وأطر القطاع الخاص ونواب البرلمان والحكومة عن الحاجة لكن هيهات ماكل المناصب لدى هؤلاء.
إذا خرجت عشرات آلاف الوحدات السكنية للنور وسيق الخبراء للنظر بواقعية في مدخولات الطبقة المتوسطة ومخرجاتها؛ وزيدت الرواتب طرديا ونفخت الروح في القطاع الخاص واتخذت إجراءات مركبة لمشكل مركب نكون درأنا الفساد وخرجنا بحل مقاصدي مرض للجميع.
أما إذا بقينا في المربع الأول ننزع الروح ممن نشاء ونولجها فيمن نشاء ، من ساسة النظم السابقة أواللاحقة؛ ونتغنى بشيء لم نلحنه أصلا ولم نكن آخذيه إلا رياء فإن علينا أن نسجن شعبا كاملا أو نحول أوراق المفتشية العامة للدولة إلى كرابيج.

اقرأ أيضا