قبل أيام أقدمت السلطات الفرنسية في مدينة باريس على منع فتاة منقبة من دخول دار الأوبرا بحجة أن ملابسها غير مناسبة، وقبل ذلك وعلى مدى الأشهر الماضية وفي مدن أوروبية مختلفة تعرضت سيدات مسلمات للتمييز والمعاملة غير اللائقة لا لشىء إلا لإصرارهن على التمسك بحقهن في ارتداء الملابس التي يرونها تناسب دينهن وخلفيتهن الاجتماعية، وتكررت هذه الحالات إلى درجة أصبحت ترقى إلى أن تصنف كظاهرة، والغريب أن هذه العنصرية الدينية تأتي في وقت يتحدث فيه العالم أجمع ، ويجمع المسلمون والغرب على خطر الإرهاب والتطرف، ويتوحد الجميع لمحاربة “داعش” وغيرها من جماعات التطرف، وهو أمر يجعل البعض يتسائل، ألا يعتبر التمييز ضد المسلمين” داعشية مضادة” وسلوكا متطرفا يجب رفضه ومحاربته أيضا…؟؟
إن الإصرار على التصرف وفق “فوقية” القيم الغربية، والرفض العدمي لقيم الآخرين وشعائرهم ومشاعرهم يعتبر “إرهابا ناعما” والأدهى والأمر أنه قد يكون سببا تركبه مجموعات التطرف على الجانب الآخر لتتذرعه به وتبرر من خلاله سلوكياتها المدانة والمرفوضة..
إن حديث الغرب الملل والمتكرر عن المساوة والعدالة وعدم التمييز، غالبا ما يسقط في امتحانات الواقع، فعلى الجانب السياسي والاستراتيجي تبدو المواقف الغربية منحازة انحيازا فاضحا ضد العرب والمسلمين وقضاياهم العادلة وفي القلب منها قضية فلسطين، وفي الجانب الاجتماعي تكاد تكون هناك حالة من “الإسلاموفوبيا” التي تجتاح المدن الغربية، أما على الجانب الفكري والثقافي فإن إصرار العديد من وسائل الإعلام ومراكز صناعة الفكر على الصاق تهم التطرف والإرهاب بالثقافة الإسلامية، هو نوع من “الابتزاز الفكري” ، فليس الإسلام بحاجة إلى صكوك البراءة، ولعل المسلمين في الماضي والحاضر ظلوا هم أول من يرفض دعوات العنف والإرهاب التي يتبناها البعض ويلبسها لبوسا دينيا، ولكن المشكلة أن عين الغرب حولاء، فهي لا ترى سوى تصرفات المجموعات المتطرفة من المسلمين وتحاول أن تعممها على المسلمين جميعا، في الوقت الذي يتم فيه التغاضي عمدا عن جرائم المتطرفين من ديانات أخرى، ولعل التغطيات الإعلامية المخزية للجرائم الإسرايلية المستمرة ضد الفلسطينيين، والصمت الغربي المريب عما يجري للمسلمين في بورما وإفريقيا الوسطى كلها شواهد حية تبثت أن الغرب الذي يحارب “داعش”، قد يتصرف في أحيان كثيرة بـ”داعشية” لا مثيل لها…
إن أول خطوة على طريق محاربة “داعش”، هي التصرف وفقا للعدالة والتوقف عن التمييز ضد الآخر ووصمه ووصم ثقافته بصفات ما أنزل الله بها من سلطان..
إن من يتابع مايحصل في الغرب والضخ الإعلامي المنحاز ضد المسلمين قد ينتابه الشك تجاه الحديث اليوم عن جهود أمريكية وغربية وتنسيق محكم لمحاربة تنظيم “داعش” المتوحش، وقد لا يبدو الأمر مقنعا إطلاقا، بل وقد يصبح نكتة سمجة لا تضحك أحدا، فواشنطن وحلفاءئها الغربيين تحديدا، يدركون جيدا كيف نشأ هذا التنظيم وأي ظروف أخرجته، وبدل أن ينتظروه حتى يتحول إلى وحش كاسر، كان من الممكن أن يقضوا على عوامل نِشأته، وذلك عبر دعم الثورة السورية في بداياتها، وعبر فرض حلول سياسية تضمن حق السوريين في الديمقراطية، وفي نفس الوقت تبقي على كيان سوريا الدولة والوطن، كما أن غضهم الطرف على مدى سنوات عن السياسات الطائفية في العراق، وسكوتهم عن التمادي في إهانة طوائف عريضة ومهمة من الشعب العراقي، كلها أمور جعلت داعش “يعشش ويبيض ويفرخ” في بلاد الرافدين حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه حيث تحولت حياة العراقيين إلى جحيم حقيقي..
إن أول سطر في كتاب الإرهاب ينبغي أن يكون “العدل”، بمعنى محاربة الإرهاب ورفضه رفضا مطلقا بغض النظر عن مرتكبيه، وهنا نتسائل بمرارة هل ستنجح الحرب على “داعش” في وقت يتصرف فيه بعض الغربيين بـ”داعشية” وتمييز وعنصرية ضد الثقافات الأخرى وخاصة الثقافة الإسلامية..
*كاتب موريتاني
[email protected]