منذ 2008 شهدت الدولة تغييرا جذريا في سياستها الخارجية والداخلية الأمر الذي جعل المواطن يستبشر بخير خصوصا عند الإعلان عن قطع العلاقات مع اسراىئيل والتي بدت جريئة في ذالك الوقت بالإضافة إلى شعارات تبدو وكأنها عميقة في مدلولها السياسي والاقتصادي والاجتماعي مثل محاربة الفساد والمفسدين,الوحدة الوطنية ,تجديد الطبقة السياسية ,حماية الحوزة الترابية ..الخ
وفي تلك الأثناء عاش المواطن فترة غير قصيرة يبيت علي الطغى ويظله يعيش على أمل ظاهره الرحمة وباطنه العذاب ينتظرا لغد المشرق الذي تحقق فيه الآمال و يزدهر فيه اقتصاد البلد تفتح فيه فرص عمل لحملة الشهادات الذين انفق عليهم الغالي والنفيس في سبيل التعليم والتعلم ثم الولوج إلي العمل وأخذهم المكانة المرموقة في المجتمع وتعويض الأهل عن ما عانوه من عناء وشدة من اجل تعليم أبنائهم وحصولهم علي شهادات عليا .وكذلك تعويض الدولة الأم التي أرهق كاهلها هي الأخرى وذلك من خلال خدمتهم وتنميتهم لها.. بدأت الحكومة في تنفيذ الخطة الاقتصادية الخاصة بها وإعطاء ظاهريا الحريات ومكافحة الرق والمحافظة علي النسيج الاجتماعي وترسيخ الديمقراطية وتوسيع المجال أمام حرية الصحافة وتجديد الطبقة السياسية ..الخ. والغريب في الأمران كل الشعارات كانت جوفاء, الغرض منها تضليل المواطنين والطبقة السياسية و الرأي العام لكسب ثقة الجميع في سبيل السيطرة علي الحكم وتطبيق الأجندة الخاصة بهم. وكانت النتائج كالأتي:
-اقتصاد متهالك تمثل ذالك في تفشي البطالة ,تدهورا لظروف المعيشية للمواطنين , تسريح مئات العمال ,ودخول شركتي سنيم و تازيازت العملاقتين في أزمة اقتصادية خانقة بالإضافة إلى عجز بعض قطاعات الدولة عن الوفاء بالتزاماتهم مثل الأجور و غيرها من مستلزمات التسيير الضرورية..الخ وكذلك قطاع الصيد والثروة الحيوانية وقطاع الزراعة حدث ولا حرج والقطاع الخاص الذي تأثر هو الأخر بشكل أساسي من خلال الضرائب المرتفعة مع قلة الفرص و ضيق مساحة التسويق نتيجة لسيطرة ثلة من التجار ذو النفوذ علي السوق .والأكثر غرابة خلو قطاعات الدولة من الأطر والفنيين نتيجة للتقاعد والذي يجب أن يواكبه اكتتاب من حملة الشهادات العاطلين عن العمل للتغلب علي النقص الحاصل والجلي في الإدارات .الأمر الذي يوحى بوجود خلل ما في الاقتصاد الوطني(لا فرص عمل ولا سد فراغ المتقاعدين).
آما بالنسبة للجانب الاجتماعي والسياسي فتمثل في ظهور أحزاب فئوية لا تمت للوطنية بصلة خلافا للقانون والدستور وحتى الأعراف والذي قد يسبب تفكك في اللحمة الاجتماعية وان كانت بوادرها تلوح في الأفق من حين إلي أخر حيث أصبحت كل شريحة تعبر عن نفسها بدل المواطنين بصفة عامة. وبهذا تكون لغة الفئة مثل لحراطين ,البيظان ,لمعلمين..الخ هي السائدة والتي تجاوزت في تمييزها المصطلحات المعروفة في القاموس السياسي الموريتاني مثل الجهوية والقبلية والمجموعات السياسية. أما الديمقراطية فلا تبدو في عافية هي الأخرى فالمعارضة في نظر الحكومة أعداء سياسيون ومواطنون من الدرجة الأخيرة ,على الرغم من أنها الأداة الأساسية للديمقراطية وداعم لاغني عنه في سبيل التنمية وتصحيح المسار السياسي.
أما تجديد الطبقة السياسية(الموالاة) فكان عبارة عن ظهور أقزام متمصلحين ولاءهم للدولة وخونة لضمائرهم ومجتمعاتهم ووطنهم ,فالسياسي أصلا هو شخص ذو مكانة مرموقة في المجتمع وذو مبادئ مقدسة يدافع عنها ويموت في سبيلها وأهمها السهر علي مصلحة مجتمعه وتنميته كما انه مثالا للنزاهة والصدق والأمانة لان اختياره نابع من المجتمع. فالطبقة السياسية الجديدة(الموالاة) فكانت مثالا للخيانة والنفاق والتحايل على المجتمع في سبيل تحقيق مصلحتها الضيقة لان اختيارها نابع عن الدولة أو حزبها. والسؤال المطروح في هذا السياق متى والي متى تقف الدولة موقف المتفرج في الانتخابات السياسية الوطنية والمحلية والتمسك بالحيادية لإعطاء المواطنين فرصة في اختيار سياسيهم وممثليهم ترسيخا للديمقراطية وإعطاءهم ابسط حق من حقوقهم المسلوبة.
بقلم: الطاهر ولد محمد ولد احمد