تعيش قيادة جبهة البوليساريو الانفصالية في الصحراء الغربية بالمغرب أوضاعًا سياسية واقتصادية صعبة. وتُشير العديد من الأدلة إلى أن هذه الظروف قد تكون سببًا في دفعها إلى التعاون مع تنظيم القاعدة، الذي قدم دعمًا سياسيًا وماليًا لها، ثم مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بينما وفرت هي دعمًا لوجستيًا لتلك الجماعات المُسلحة المتشددة التي أخذت تتغلغل في الصحراء الغربية.
هذه التغيرات التي قد تؤدي قريبًا إلى موجة أقوى من انخراط شباب البوليساريو ومقاتليها في أنشطة هذه الجماعات، والتي من أبرزها الآن «تنظيم الدولة»، تشير إلى خطورتها حوادث الأيام الأخيرة، والتي أبرزها مبايعة القيادي المغربي لحبيب عبدي سعيد، المعروف بـ«أبو الوليد الصحراوي» لـ«تنظيم الدولة»، بعد أن كان منضمًا إلى جبهة البوليساريو.
قادة البوليساريو إلى «تنظيم الدولة»
«طاعة لأمر الله، وطاعة لرسوله بلزوم الجماعة ونبذ الفرقة، تعلن جماعة المرابطون مبايعتها لأمير المؤمنين وخليفة المسلمين الشيخ أبي بكر البغدادي، على السّمع والطّاعة، في العسر واليُسرِ والمنشط والمكره، وأثره علينا، وأن لن ننازع الأمر أهله، إلّا أن نرى كفرًا بواحًا عندنا من الله فيه برهان»، بهذه الكلمات المعتادة أعلن المعارض المغربي الانفصالي لحبيب عبدي سعيد، المعروف بـ«الإدريسي لحبيب» وبـ«أبو الوليد الصحراوي»، مبايعته لأبي بكر البغدادي «خليفة للمسلمين»، لينضم لصفوف تنظيم الدولة الإسلامية بعد أن كان ضمن جبهة البوليساريو.
وقف عبدي سعيد وسط عشرات المقاتلين مُبايعًا، ثم كرر هؤلاء الذين حملوا رايات «تنظيم الدولة»، كلمات مبايعته في مقطع فيديو لم تتجاوز مدته دقيقتين ونصفًا؛ لتخرج «كتيبة المرابطون» الناشطة في شمال مالي قرب الحدود الجزائرية من تنظيم «القاعدة»، إلى «تنظيم الدولة»، وقد سبق أن أعلنت جماعة «كتيبة الهدى في المغرب الإسلامي» مبايعتها كذلك لـ«تنظيم الدولة».
لم تكن البيعة الشخصية لعبيدي سعيد جديدة، فقد أعلن مبايعته للبغدادي قبل عام، وطُرد إثر ذلك من الكتيبة، ليعود قبل أيام ويعلن أن «كتيبة المرابطون» بذاتها والتي يقودها الجزائري مختار بلمختار (رفض انضمامها للتنظيم قبل عام) أصبحت ترفع راية «تنظيم الدولة».
ويُذكر أن الكتيبة تأسست في أغسطس (آب) 2013، إثر اتحاد تنظيمي «جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا»، و«جماعة الملثمون/ الموقعون بالدم».
من البوليساريو إلى القاعدة
دفع العوز للدعم المالي والسياسي جبهة البوليساريو للبحث عن داعم لها، وكانت «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» هي الملجأ الذي قد ينقذ البوليساريو ماليًا وتنظيميًا، فالحاجة لشريك يحقق مكاسب سياسية في المواجهة مع الدولة المغربية والمتمثل في الحصول على الاستقلال، يُسجَّل بوصفه دافعًا نحو لجوء البوليساريو للقاعدة، وهنا «تحولت البوليساريو من جماعة انفصالية مستقلة وتنظيم دولي إلى جماعات وظيفية في أيدي التيارات الجهادية الراديكالية التي باتت تملك الموارد الكافية من المال والسلاح».
كما قدمت البوليساريو خدمات للقاعدة نظير دعمها السياسي والمالي، فخبرتها في دروب الصحراء المتعرجة مكنت القاعدة من جني أرباح بعد اعتمادها سياسة الخطف وسيلةً لجلب المال، ويكشف تحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، عن أن «تنظيم القاعدة وفروعه المباشرة قد جنوا أرباحًا تقدر بـ125 مليون دولار على أدنى تقدير من إيرادات عمليات الاختطاف منذ عام 2008، منها 66 مليون دولار قد سددت خلال العام الماضي فقط، ورصدت وزارة الخزانة الأمريكية مبالغ الفدية، بمجموعها، لتصل إلى مبلغ وقدره 165 مليون دولار خلال الفترة ذاتها».
وكثيرًا ما حذرت مؤسسات حقوقية من انضمام سكان مخيمات «تندوف» إلى تنظيم القاعدة، بسبب الأوضاع المعيشية والإنسانية السيئة لهذه المخيمات التي تخضع لمراقبة البوليساريو.
ويشير تقرير للمركز الدولي للدراسات حول الإرهاب، التابع لمجموعة التفكير الأمريكية «بوتوماك إنستيتيوت فور بوليسي ستاديز»، إلى أن «مخيمات تندوف أصبحت مجالًا خصبًا لمجندي القاعدة والتهريب بجميع أشكاله».
«تنظيم الدولة» في الصحراء الغربية
أعلنت وزارة الداخلية المغربية في فبراير (شباط) الماضي، عن تفكيك خلية على علاقة بـ«تنظيم الدولة»، وصفتها بالإرهابية.
وأكدت الوزارة أن عناصر الخلية خططت للالتحاق بمعاقل التنظيم في سوريا والعراق، لكنهم غيروا وجهتهم نحو فرع التنظيم في ليبيا، فمروا عبر الحدود المغربية الموريتانية.
المفاجأة التي ظهرت خلال التحقيقات، أن الخلية تلقت دعمًا من جبهة البوليساريو التي توسطت بين «تنظيم الدولة» في ليبيا، ومناصريه في المغرب، ووفرت وسائل لتهريبهم عبر الحدود المغربية الموريتانية، وذلك مما يُثبت التعاون ما بين التنظيم والبوليساريو.
وتُشير المصادر المغربية إلى أن المساجد داخل مخيمات اللاجئين في الصحراء الغربية، أصبحت منابر للتعبئة المباشرة لموالاة «تنظيم الدولة»، لذلك يرى المختصون أن «التنظيمات الجهادية التي تعيش على التخوم في طريقها إلى الانقياد خلف الخليفة البغدادي، متأبطة معها الحيارى والمهمشين من مخيمات البوليساريو، ما يزيد عمق العلاقة بين البوليساريو والتنظيمات الجهادية هناك».
نفس المصالح التي جمعت البوليساريو مع تنظيم القاعدة، جمعتها مع «تنظيم الدولة»، فعلى ما يبدو تطمع الجبهة في إمكانيات «تنظيم الدولة» كي تحقق أهدافها، لما بينهما من قواسم مشتركة في الأهداف والآليات، وإن اختلفت المضامين.
وتأمل البوليساريو بسند التنظيم لها في المستقبل القريب، وكما يقول الخبير السياسي مصطفى زهران، فإن البوليساريو هو «عرّاب تنظيم الدولة الجديد في الصحراء من جهة، ومالك مفاتيحها وأسرارها من جهة أخرى».
تحالف رُغم الاختلاف
يرى الصحافي والباحث في العلوم السياسية، إسماعيل حمودي، أن كلًا من البوليساريو و«تنظيم الدولة» حركتان مختلفتان من حيث الهوية السياسية، «فالبوليساريو حركة انفصالية مشروعها يهدف إلى تجزئة وحدة التراب المغربي»، أما «تنظيم الدولة» فيصفه حمودي بأنه «حركة جهادية فوق دولتية، تسعى إلى زعزعة الاستقرار السياسي والديني للدولة الحديثة، ومنها المغرب».
ويستدرك حمودي في حديثه قائلًا: «لكن رغم اختلاف الأهداف، أعتقد أن هناك تحالفًا موضوعيًا بينهما، فكلاهما يعد تهديدًا جديًا لوحدة التراب، وللاندماج الاجتماعي والثقافي، ومن ثم للكيان المغربي».
وأوضح باحث العلوم السياسية أن هذا التحالف الموضوع يُمكن رصده من خلال وقائع مثل «انخراط مسؤولين ومقاتلين من جبهة البوليساريو في أنشطة الجماعات الجهادية، في منطقة الساحل، والصحراء، بخاصة اختطاف الرهائن، والاتجار في السلاح والمخدرات والبشر.
ويعتقد حمودي أن ما يدفع شباب جبهة البوليساريو ومقاتليها إلى الانخراط في أنشطة الجماعات المسلحة المتشددة، هو «انسداد الأفق السياسي أمام الجبهة، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية داخل المخيمات».
وأضاف: «أتوقع أن يزداد ذلك مستقبلًا بفعل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الجزائر، الممول الرئيسي للجبهة، بفعل العجز في الميزانية الذي بلغ هذه السنة ما يفوق 17 مليار دولار، نتيجة انهيار أسعار الغاز والنفط في السوق الدولية».
هذا ويستبعد حمودي أن تبايع البوليساريو أمير «تنظيم الدولة» أو تنظيم القاعدة مبايعة علنية، «رغم أن المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الضاغطة على قيادة البوليساريو، قد تؤدي إلى موجة أقوى من انخراط شباب البوليساريو ومقاتليها في أنشطة تنظيم الدولة»، على حد قوله، مُوضحًا: «هذا يعني أن التهديد الأمني المتمثل في الانفصال والإرهاب سيشكل تحديًا أكبر للمغرب على المدى المنظور».
حفيظ بوقرة للجزائر تايمز