يتجه فرنسوا فيون، بثبات، ليكون مرشح اليمين في الانتخابات الرئاسية الفرنسية سنة 2017. وقد يصير هذا السياسي الذي خطف الأضواء في الأيام الأخيرة، نزيل قصر الإيليزي القادم، خاصة مع تضاؤل حظوظ اليسار في البقاء على سدة الحكم، بسبب الحصيلة السلبية للرئيس الحالي فرانسوا هولاند. فمن هو فرانسوا فيون؟ وكيف ينظر إلى علاقات بلاده مع الجزائر؟
حقق فرانسوا فيون، رئيس الحكومة الفرنسي السابق، المفاجأة بتحقيقه المركز الأول في الانتخابات الأولية لليمين والوسط التي سينبثق عنها مرشح هذا التيار في الرئاسيات الفرنسية، وبفارق بعيد عن منافسه آلان جوبي، الذي سيرافقه إلى الدور الثاني من هذه الانتخابات بحظوظ قليلة، رغم أن كل المؤشرات كانت تضعه من قبل في المرتبة الأولى. غير أن ما كان مستبعدا قد حدث ليس لجوبي فقط، لأن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي وجد نفسه خارج السباق الانتخابي، بطريقة بدت مهينة لمسؤول بحجمه. وهو الذي عاد إلى السياسة قبل فترة وعينه على كرسي الرئاسة من جديد.
"باي باي ساركو!"
وفي الجزائر التي غالبا ما تتابع ديبلوماسيتها عن كثب ما يجري في فرنسا، نظرا لطبيعة العلاقات المتشابكة مع هذا البلد، وثقل تأثيره على المستوى الإقليمي، يكون خروج ساركوزي من السباق حدثا مفرحا للسلطات الجزائرية، نظرا للتوتر الشديد الذي شهدته علاقات الجزائر في عهد رئاسته، ثم التصريحات الاستفزازية التي ما فتئ يطلقها على الجزائر منذ عودته إلى الحياة السياسية الفرنسية قبل نحو سنتين، إلى درجة تحدثه في العاصمة التونسية، بلغة وصاية استعمارية، قبل فترة قائلا إنه يجب معالجة مصير الجزائر في منظمة "الاتحاد من أجل المتوسط"! ثم تهديده بإلغاء اتفاقية الهجرة بين الجزائر فرنسا لسنة 1968، والتي تتيح بعض الامتيازات للمهاجرين الجزائريين.
غير أن احتمال إقصاء آلان جوبي الذي كان مرشحا بقوة ليكون رئيس فرنسا القادم، يبدو أنه أخلط كل الأوراق، خاصة أن الجزائر كانت تبدي تفضيلا واضحا لهذا السياسي العتيد في فرنسا. وقد ظهر ذلك جليا في الزيارة التي أداها للجزائر في ربيع العام الحالي، واستقبل من أعلى السلطات في الدولة بما فيها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وعبر جوبي، في تصريحاته، عن رغبته في تعميق العلاقات بين البلدين، كما أنه امتدح بشدة العلاقات الحالية بين البلدين، رغم أن من يحكم حاليا في فرنسا هم خصومه الاشتراكيون الذين حاولوا إصلاح ما أفسدته فترة رئاسة ساركوزي، التي كان في جزء منها جوبي وزيرا للخارجية. كما أن خطابه يبدو شديد الاعتدال فيما يخص المهاجرين، إذ يرفض المغالاة في أطروحات طرد المهاجرين، ووقف حركة الهجرة التي يتبناها صقور اليمين.
بيد أن الاحتمال الذي لم يكن واردا على الإطلاق، صار اليوم الحقيقة الأقرب إلى الوقوع، إذ تصب الاستطلاعات حاليا في فوز وشيك لفرانسوا فيون بالانتخابات الأولية، بعد تلقيه الدعم من نيكولا ساركوزي، ومن ثم سيصير مرشح اليمين والوسط في الرئاسيات، وسيكون الأكثر حظا للفوز برئاسة فرنسا، لأن استطلاعات الرأي تضع مرشح اليمين في الدور الثاني من الرئاسيات الفرنسية في مواجهة مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان.. على أن تعود الغلبة وفق هذه الاستطلاعات إلى مرشح اليمين. بينما سيقصى مرشح اليسار في الدور الأول، سواء تعلق الأمر بالرئيس الحالي فرانسوا هولاند، الذي لم يعلن ترشحه، أو مرشح آخر من نفس العائلة.
بالنسبة للجزائر، يعد فرانسوا فيون مرشحا غامضا نوعا ما، كونه لم يؤخذ بالجدية الكافية.. فهو لم يزر الجزائر سوى مرة واحدة في سنة 2008 كرئيس للحكومة الفرنسية التي استمر فيها 5 سنوات كاملة. ولم يعرف عنه خلال توليه هذا المنصب أي حادثة مع الجزائر، عكس مسؤولين آخرين في حكومته؛ مثل وزير الخارجية برنارد كوشنير الذي أثارت تصريحاته الاستياء في عدة مرات، ناهيك عن الرئيس نيكولا ساركوزي نفسه الذي كانت تثير تدخلاته، خاصة فيما يتعلق بمواضيع الذاكرة، التوتر في العلاقات التي بلغت انتكاستها الذروة باعتقال الديبلوماسي الجزائري محمد زياد حسني، واتهامه باغتيال المحامي علي المسيلي.
"الاستعمار الفرنسي جلب الثقافة لإفريقيا!"
لكن فيون، وإن كان أسلوبه يختلف عن ساركوزي، فهو يرفض التصريحات المستفزة، ويتجنب الإثارة الإعلامية، ويظهر بمظهر رجل الدولة.. إلا أن برنامجه وأفكاره لا تختلف كثيرا عما يؤمن به رئيسه السابق الذي عمل معه. فهو يتبنى نظرة شديدة الراديكالية لموضوع الذاكرة، بل إنه يرفض تماما أي "توبة" أو "اعتذار"، بل يروّج لمفهوم أن الغزاة الفرنسيين عندما احتلوا شمال إفريقيا، وأهمها الجزائر طبعا، فإنهم فعلوا ذلك لنشر الثقافة!
هذه الفكرة عبّر عنها فيون بالحرف في خطاب شهير له في أوت الماضي في "سابلي سور سارت" قائلا "لا.. فرنسا ليست مذنبة عندما قاسمت ثقافتها مع شعوب إفريقيا وآسيا وأمريكا الشمالية". وقد سئل المترشح الرئاسي عن هذا الكلام في برنامج سياسي على القناة الفرنسية الثانية قبل نحو شهر، فأجاب بأنه يتمسك بكلامه ويرفض محاكمة المنظومة الاستعمارية بمنطق اليوم، واتهام الدولة الفرنسية وفرنسيي اليوم بأخطاء لم يرتكبوها هم.
ويبدو أن فيون لم يتغير كثيرا في هذا الموضوع، فقد أجاب على سؤال لـ"الخبر"، في حوار أجري معه بمناسبة زيارته الجزائر في 20 جوان 2008، حول مطلب الاعتذار قائلا "أما فيما يتعلق بمسؤولية فرنسا فيما ارتكب، خاصة خلال حرب الجزائر، فلقد اعترفنا ونواصل الاعتراف بها بلا تحفظ". مكتفيا عند نقطة الاعتراف الرمزي فقط دون تعدي ذلك إلى مسألة الاعتذار.
أما نظرته للإسلام، وهو الذي يصنف أنه من تيار اليمين الكاثوليكي، فتتسم أيضا بالراديكالية؛ ففي كتاب له موسوم "إلحاق الهزيمة بالشمولية الإسلامية"، يقول إن هناك مشكلا في فرنسا مرتبطا بالإسلام. ويقول صراحة إن "الاجتياح الدموي للشمولية الإسلامية في حياتنا اليومية يمكن أن يتسبب في حرب عالمية ثالثة".
وفي موضوع الهجرة، يريد فيون تطبيق سياسة صارمة، بحيث يحدد البرلمان كل سنة كوطة المهاجرين المسموح لهم بدخول البلاد، لكن الأهم من كل ذلك هو رغبته في كسر القاعدة التي ألزمت بها فرنسا نفسها سنوات طويلة، من خلال السماح بإحصاءات تحدد أصول المهاجرين.
أما العلاقات الخارجية، فيتحدث فيون أكثر عن الملف السوري، ويرافع من أجل حوار مع فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، وإعادة قنوات الاتصال مع الرئيس السوري بشار الأسد. لكنه لا يبدي أي مراجعة بخصوص الوضع في ليبيا، الذي تسبب التدخل الفرنسي في وقت حكومته إلى إيصاله إلى وضع كارثي، تعتبر الجزائر من أكبر المتضررين منه في المنطقة.