تقريب الإدارة من المواطن

جمعة, 2016-11-25 12:38

تتصرف الإدارة في إطار المصلحة العامة للمواطنين يحكمها في ذلك احترام القوانين التي تم سنها والتي تحدد اختصاصاتها وعلاقاتها مع المستخدمين، أي جمهور المواطنين، وعلى الإدارة أن  تلتزم بالحياد ومساواة المواطنين في قيامها بمهامها المرسومة وتحرص على النزاهة في التعامل والابتعاد 

عن شخصنة الأمور والقرارات،  وتجنب كل ما من شأنه أن ينزل بها إلى مستوى دون ذلك المنتظر منها.
إن إشكالية العلاقة بين الإدارة والمستخدمين أو المتعاملين معها تعد موضوعا من مواضيع الساعة بامتياز، حيت تتسم المرحلة الراهنة ببذل الجهود المضنية من أجل استكمال بناء دولة القانون والحق. ولا شك أن هذه الإشكالية مرتبطة بمفهوم آخر هو مفهوم المرفق العمومي.
وغني عن البيان أن الإدارة تعتبر مرفقا عاما يسعى إلى تحقيق نتائج وتقديم خدمات ويثمن بذل الجهد والعمل، ويسعى إلى أن يكون قادرا على تحمل المسؤولية و على اتخاذ القرارات المناسبة على نحو تشاركي يتسم بالقرب من المواطن، وبشكل يتماشى مع معطيات العصرنة والتحديث بحيث يتيح الفرصة للمساءلة ويمكن من استخدام التقنيات الحديثة ويستبعد الإجراءات المخالفة مثل الفساد والمحسوبية والزبونية والشطط.
إن تقريب الإدارة الحكومية من المواطن في الدولة غاية تسعى إلى إدراكها أجهزة الحكومة ودوائرها ويطالب بها المواطنون سواء في العواصم والمدن الكبرى أو في القرى والأرياف والبوادي، وذلك بسبب إلحاح الحاجات وضرورة قضائها في الوقت المناسب أحيانا ولربح الوقت أيضا وللوصول إلى مستوى من العلاقات بين الطرفين يسمح لكل منهما بالتفاعل والتكامل في وقت واحد خدمة لعملية التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية اللتين تعمل فيهما ولأجلهما الدولة والشعب على نحو مشترك ومتعاضد.
ويرتبط تقدم الدول بكفاءة أجهزة الإدارة وأذرعها في السعي إلى التنمية، وتعد هذه الأخيرة غاية لا تتحقق باستيراد الآلات الحديثة فقط وتوفير الأموال بل إنه لا بد من فكر وتنظيم إداري محكم ومتكامل يخدم الأهداف الكبرى ويجسد تحقيق الأهداف القريبة واليومية للمواطن. وقد تطور مفهوم تقريب الإدارة من المواطنين ليشمل مجالات جديدة مثل تقريب القضاء وتقريب الخدمات الصحية والثقافية ولذوي الاحتياجات الخاصة، إلخ.
ومن بين أهم الأسباب التي تقف حتى الآن حجر عثرة في وجه تناغم عمل الإدارة مع احتياجات المواطنين، في البلدان السائرة في طريق النمو، والتي تندرج كلها تقريبا في سياق أسباب تنظيمية ومؤسسية وقانونية واجتماعية  نذكر ما يلي: هشاشة الرؤية الشمولية في الاستقبال والإرشاد، ضعف المعلومات عن اختصاص الجهات المعنية، نقص العناية والوعي بتقديم الردود على الشكاوى والتظلمات، عدم توفر الإدارات على ملصقات توضح المهام والجهات وتدل عليها، التأخر في الرد على الطلبات، تردد المواطنين في اللجوء إلى الإدارة،انشغال الإدارات بمشاكلها الداخلية، تعدد وتشعب الطرق والمساطر والبيروقراطية، ضعف الفرصة أمام المواطن لتقديم ملاحظاته وتسهيل ولوجه إلى الخدمات والمعلومات، غياب الوضوح في بعض الأحيان في قرارات الإدارات ومبرراتها ونقص تفسيرها وتقديمها للمعنيين، نقص التزام الإدارة بالأحكام القضائية، وأخيرا وليس آخرا ضعف احترام أوقات العمل الرسمية وكثرة ظاهرة التغيب والتسيب.
ورغم أن ترسانتنا القانونية ولله الحمد كبيرة ومتوسعة إلا أننا نلاحظ حتى الآن أنه لم يتم بعد سن تشريع خاص يحدد ويوضح العلاقات بين المواطنين والإدارة في الأمور التي تم تحددها التشريعات والقوانين القائمة، وهو نهج اتجهت إليه دول عديدة عندما سنت قانونا يسمى ميثاق أو مدونة العلاقات بين الجمهور والإدارة.

ولمعالجة الواقع وتيسير علاقات الإدارة بالمواطن أنشأت موريتانيا العديد من الهيئات وأخذت زمام العديد من المبادرة منها على سبيل المثل لا الحصر هنا فتح مكاتب استقبال وإرشاد للمواطنين وإنشاء هيئة للفتوى والمظالم والمجلس الاقتصادي والاجتماعي وفتح شبابيك موحدة وتأسيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان وآلية لمكافحة التعذيب ومؤخرا التفكير في تسهيل عملية طبع وتوزيع الجريدة الرسمية والحث على تفعيل واستعمال اللغة العربية في القرارات والمراسلات وهي اللغة الرسمية للدولة، وإنشاء وظائف الأعوان المنفذين والمساعدة القانونية والقضائية والانفتاح على شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة وتسهيل ولوجهم إلى المرافق وغير ذلك ثم تسهيل وتبسيط وتوفير الضمانات للقطاع الخصوصي الوطني والأجنبي.
ومن المقترحات الجديرة بالتفكير وربما بالاقتراح لتعزيز الحوار بين المواطنين والإدارة ولترسيخ الإصلاحات القانونية والإدارية سن قانون أو ميثاق يوضح ويسهل انسيابية العلاقات بين الإدارة والمواطنين، على غرار العديد من الدول التي قامت بذلك حيث يحدد هذا الإطار القانوني طبيعة الحقوق والواجبات ويسعى إلى مطابقة المنظومة لمواصفات الجودة ومعاييرها المعتمدة على مستوى العالم في أيامنا الراهنة مما قد يجعل قياس كفاءة العلاقة بين الإدارة والمواطنين أمرا قابلا للتحقيق.

بقلم:  شيخنا محمدي الفقيه

اقرأ أيضا