هذي فضـيحه!
من يهنْ يسهل الهوان عليه / ما لجرح بميّت إيلامُ
صدق ذلك الرجل، وهو يصيح ويكرر على مسامع عزيز :هذي فضيحه، هذي فضيحه، هذي فضيحه. ولو غصنا أبعد من المشهد الذي صاح فيه الرجل، لأدركنا أن تكرار "هذي فضيحه" قد يعبر عن جوانب كثيرة من الفضائح تلبسها هذا النظام، وألبست هذا الشعب، أدناها هو الضرب والسحل والإهانة أمام الجميع، وتترقى في مدارج الفضائح لتصل اختلاس المليارات، ومنح صفقات التراضي، مرورا بالمخدرات، وتعيين المفسدين بل إعادة تدويرهم وترقيتهم بمن فيهم من اعترفوا باختلاس مبالغ كبيرة الخ!
"هذي فضيحه"، ظاهريا هناك حرس رئيس، يدعي أنه ديموقراطي وأنه رئيس الفقراء الخ يهينون كبار المسؤولين، والمنتخبين، ورجال الأعمال ناهيك عن عموم الشعب. وهناك "شخصيات" وازنة تتساقط تحت قدمي عزيز وتحت صيحات وضرب حرسه، تساقط الذباب في الأواني، وعزيز بعنهجيته المعهودة لا يقيم لمن يهانون أمام ناظريه وزنا. وباطنيا لا يعدو المشهد أن يعبر عن جوهر أزمة مجتمع كامل، بين شعب يقع أسفل الهرم يداس عليه بكل احتقار، ونخبة مترهلة فالسة متقادمة لا تستقيل ولا تقال، وحاكم فرد صنم يحتقر الجميع!
"هذي فضيحه"، فعندما لا يشفع لمحمد المختار ولد الزامل بياض شيبه الذي طار غرابه قبل أن يحلم عزيز بالرئاسة، ولم تشفع له خدمته في الدولة الموريتانية وعزيز ما زال يتلمس طريقه في اللوكه، ولم تشفع لهؤلاء ولاءاتهم الجنونية، ولا مديح الرجل بما ليس فيه، فـ"هذي فضيحه".
"هذي فضيحه" عندما تسمع ضابطا ينادي مدير تشريفات رئيس الجمهورية بطريقة مهينة "الحسن هاه،، الحسن هاه" وكأنه من يتلقى منه الأوامر عكس المفترض، في فوضى عبثية، وترى ضابط كبير متقاعد ومدير عدة مؤسسات هامة وقائد سابق للدرك من حجم العقيد عينينا ولد أييه وهو يهان ويرضى الهوان في مشهد كهذا، فأعلم أنّ "هذي فضحيه".
"هذي فضيحه" ، من يشاهد خداد ولد المخطار وهو يهان مقبلا غير مدبر، يحاول التماس يد عزيز، والحرس يدفعونه دفع سلة مهملات، ومن يشاهد ذلك العمدة الشائب، هو يهادى بين الرجلين أو بين الرجال رغما عنه، يكاد يقع، يدرك أي قيمة يمنحها هؤلاء الحكام لهذا الشعب، ويدرك أي قيمة يحفظها رموز هذا الشعب لأنفسهم ولشعبهم!
ذات يوم من أيام "نحس الأعماق"، كان معاوية يمشي بين آلاف منتسبي القبائل، ومجانين الولاء، يحدوهم التنافس القبلي الداخلي، وسطوة شيوخ القبائل، ونقص الوعي، وتقديس شخص الحاكم، وتطويع خدمات الدولة وأرزاق العباد في سبيل عبادة الحاكم الفرد، إلى تجسيد مثل هذه المظاهر، فتأخر الوالي عن الرئيس قليلا، فقال له أحد الحرس الرئاسي المرافق، ربما أحد تلامذة عزيز أو عزيز نفسه: "السيد الوالي أطلصو بكراعكم اشوي". يريده أن يتدارك الرئيس، فسمعه معاوية، فرد على الحرسي : "السلطات ما تعجل، أو الإدارة ما تعجل". فكان معاوية، رغم فساد نظامه، ودكتاتوريته، يريد مكانة لرموز نظامه وولاته وكبار أنصاره، فهي في المحصلة جزء من مكانته هو.