في سنين الفساد كهذه كل يوم يطالعنا عملية بيع قطعة أرضية احتضنت سفارة من سفاراتنا أو قنصلية من قنصلياتنا أو مسكن السفير و رفرف عليها علمنا خفاقا سنين عددا . لقد استطاع الجيل المؤسس للدولة منذ نهاية الخمسينات و بداية الستينات و بإمكانات معدومة و في أحلك الظروف استطاع الحصول على عقارات أرضية تحتضن بعثاتنا الدبلوماسية غالبيتها هبة من رؤساء ساندو الدولة الفتية حتى تقف على قدميها (سنغور بورقيبة موديبو كيتا الملك فيصل جمال عبد الناصر الجنرال ديغول...) و بعضها اشترته الدولة الوليدة من ميزانيات هزيلة جدا حتى يتحقق حلم الدولة المستقلة كباقي البلدان حين كان كابوس الولاية المغربية الجنوبية يطاردنا و غالبية الدول العربية لا تعترف بنا بعد مؤتمر اشتورة الشهير في لبنان الذي أقر فيه المؤتمرون العرب و بإجماع (اجتماع جامعة الدولة العربية) بأنهم لا يعترفون بالحكومة المتمردة على الوطن الأم (المغرب) حكومة مترجمي الفرنسيين (حكومة املازه) و حكومة عملاء فرنسا هكذا كان ينظر إلينا الإخوة العرب و قد كتب أب الأمة الموريتانية المرحوم المختار ولد داداه في مذكراته و غصة الألم تفوح من عباراته (من سخرية الأقدار أن نرتمي في حضن مستعمر الأمس هروبا من ظلم الشقيق الأكبر المغرب) و قد هدد الجنرال ديغول نهاية الخمسينات الملك محمد الخامس بأن جيش التحرير المغربي اذ اجتاح موريتانيا فإن فرنسا ستعيد احتلال المغرب و موريتانيا و لن تخرج بعد ذلك كدنا أن نكون ولاية مغربية مثل الإخوة الصحراويين لولا حنكة ولد داداه و شطارته في السياسية و توظيف لعبة الكبار و مع ذلك ينقم عليك بعض الأوغاد انك وقعت اتفاقية الدفاع المشترك مع الفرنسيين أو قل الحماية الفرنسية (لي ماه في الديكه ارجيل) نم قرير العين اقلامنا فداك في تلك الأثناء رفض الرئيس المالي موديبو كيتا سحب قواته من الحوضين و اعتبرها أراضي مالية و أن الحدود موروثة من المستعمر و أن الحوضين (الشرقي و الغربي) في الحقبة الفرنسية كانوا يتبعون للحاكم الفرنسي في باماكو ليأتي تهديد آخر من صديق ولد داداه الرئيس السنغالي سينغور الذي قال بأن النهر ليس هو الحدود الطبيعية بل إن الحدود السنغالية تنتهي 100 كم شمال النهر أي عند بلدية تكند حاليا 100 كم فقط من العاصمة و بأن مكون البيظان هو جزء أصيل من الاثنيات السنغالية تعايش عبر العصور مع باقي القبائل الأفريقية في السنغال و في ظروف كهذه حيث تكالبت الخصوم على الحوزة الترابية لأرضنا الطاهرة ولدت عزيمة قوية جدا عند القلة القليلة المثقفة خريجي المدارس و الجامعات الفرنسية من أبنائنا و كابدوا الصعاب في معركة ظلم ذوي القربي و الجيران بعد بزوغ فجر الاستقلال عن مستعمر الأمس فكان لابد من ديبلوماسية قوية تعرف بالبلد الوليد فكان لهم ذلك و لم تعرف الديبلوماسية الموريتانية تألقا كتلك الفترة لأنهم ببساطة كانوا أصحاب قضية آمنوا بها و ضحوا من أجلها و هزمت ديبلوماسية سلاطين المغرب التوسعيين و وطأت قدما المختار ولد داداه المغرب سبتمبر 1969 كممثل لموريتانيا و رئيسا لها و ليس املاز عميل لفرنسا يريد تقسيم المغرب الى دولتين كما كانت تروج برامج إذاعة فاس المغربية برعاية علال الفاسي رئيس حزب الاستقلال و بعض حثالة البيظان عملاء المخابرات المغربية فكان لابد أن يرفرف علمنا خفاقا في سماء كل البلدان رغم شح الإمكانات و في ظروف صعبة جدا و هو ما حدث فعلا بفضل هؤلاء الأبطال الذين نضرب لهم سلاما عسكريا و اليوم يأتي جيل من خفاشيش الظلام من اللصوص و المرتزقة و ليتهم فقط حافظوا على إنجازات الآباء دون إضافة أو إنجاز لا القضاء على كل تلك الإنجازات العظيمة لقد أصبحت ظاهرة بيع القطع الأرضية المملوكة للسفارات عملية مربحة جدا و اللجوء إلى الإيجار هل يعقل هذا ؟؟ تبيع سكنك المترامي الاطراف و فيلا كبيرة لتأجير شقة صغيرة تحوي 3 غرف أو أربعة فقط ؟؟ لقد اتسعت المدن كثيرا (باريس الدار البيضاء تونس القاهرة واشنطن...) عما كانت عليه في الستينات و أصبحت المقرات غالية جدا جدا بالمليارات و هو ما يثير لعاب الأوغاد و أقل عمولة (كومسيوه) سيحصل عليها السفير من العملية هي مليار من الاوقية هذا أقل تقدير و الا فالميليارات لاحت الفكرة لبعض المفسدين في عهد ول الطايع و فعلا بيعت سفارات موريتانية و اعرف سوقا في تفرغ زينة يملكه سفير سابق في القاهرة هو من باع أرض السفارة الممتد الأطراف و هو هدية في الستينات من جمال عبد الناصر للدولة الموريتانية و انتقلت السفارة إلى شقة صغيرة مؤجرة حسب طلبة درسوا هنالك و بالأمس يتظاهر الجالية في واشنطن أمام السفارة رغم البرد القارس و المطر الكثيف احتجاجا على بيع مقر السفير الذي سيتحول إلى شقة مؤجرة و لكم أن تقارنوا فكر جيل الأمس رغم شح الإمكانات و جيل اليوم تقارنون بين السفير الحالي في واشنطن محمدن ول المختار ول داداه و والده المؤسس المرحوم المختار ولد داداه حتى تكتشفوا غدر السنين :
فأنت نواة منه إن كان تمرة***و لم يك فضل التمر يسري إلى النوى
و ليس هذا حال آل داداه فقط بل قارنوا حمدي ول مكناس الوزير الأول السابق في الدولة الوليدة و ابنته الوزيرة الحالية إنه جيل عجنت طينته باللؤم و الخساسة و يكفي أن أباهم الروحي و كبيرهم الذي علمهم السحر هو جنرال كومسيوهات الذي باع كل المدراس الابتدائية و المرافق الحيوية ذات المواقع الاستراتيجية و حي بلوكات وطرد عمال الدولة و حي الفرقة الموسيقية للجيش و جعلها أسواق له و واجهاته المالية و اقتطع أرضا من مدرسة الشرطة و جعلها سوقا له على اسم أخيه المتوفى كذلك اقتطع أرضا من الملعب الأولمبي.....و هؤلاء السفراء هو ملهمهم و منه يقتبسون (كلت النفشه) حسب مصطلحات الانذال فما أغرب الأيام جيل يبني و جيل يهدم !!! و في هذه اللحظات تعرض القنصلية في جدة للبيع التي هي هدية من الملك الفيصل للشناقطة الذين فك على يديهم طلسم الخط العربي و عليهم حفظ القرآن كذلك في هذه اللحظات يعرض للبيع السفارة في تونس التي هي هدية من بورقيبة اول رئيس عربي يعترف بموريتانيا و زارها في بداية الستينات و في هذه اللحظات طلبات تتكدس طلبات إذن البيع لعشرات السفارات على مكتب وزير المالية الذي سيحظى هو الآخر بكومسيوه إنه التنافس بين سفراء يريدون اختصار المسافات نحو الثراء الفاحش و نحن نرى ذلك بأم اعيننا و نتجرع مرارة رؤية البيت الموريتاني يهدم و قد عبرت عنه حين قررت الهجرة عن الوطن في تدونة منذ سنوات ب ( ما أشد الأسى حين ترى بيتك يشتعل أمام عينيك و أنت ترتب أمتعتك للذهاب إلى بيوت الآخرين)
من صفحة Jemal Ould Bechir