هذا الصباح بدت مدينة "ودان" العتيقة باردة، وإن كانت ـ كباقي الوطن ـ أقل برودة من عادة زمنها هذا (لـﮕـريس!)، بعد أن منعتها هذه الضجة السياسية النادرة من النوم ليلتها؛ وهي تحاول أن "تستفيد" بوسائلها الضئيلة من هذا الموسم الهام.
وبدت "ودان" في نفس الوقت بين ذكرتين متناقضتين: ذكرى المولد النبوي الشريف؛ ذكرى صاحب المعراج خاتم الرسل صلى الله عليه سلم، تلك الذكرى التي ظلت عبر العصور يمتد صداها ويفوح أريجها في أرجاء هذه المدينة وغيرها من المدن القديمة، حيث تشدوا الحناجر بألحان المديح، وتُعمر المساجد والمجالس بالصلاة على الحبيب والاذكار، وقراءات "الشفاء" و"بردة المختار"...
أما هذا الصباح فخلدت الجموع المتوافدة والوجوه المتملقة وتعليقات وسائل الإعلام المحنطة... ذكرى أخرى مغايرة، ومناسبة مختلفة وعبرة لمن يعتبر... إنها ذكرى انقلاب 12/12 العسكري الذي أخرج ولد الطائع من "ضابطيته" البسيطة إلى قليس المعبد السلطوي المقدس، قبل يؤتى من حيث أتى أو أقرب!! ومع ذلك لا أحد يتذكره من هذه الوجوه التي خرت له معظمة، والأيدي التي مجلت من التصفيق لعيايته... وكأنها اليوم وهي على حالها تلك مع غريمه، لم تسمع به ولم تره!!
"ودان" هنا صامدة بحجارتها الخرساء وفضائها المعزول في غياهب البعد والإهمال... تدوي فيها اليوم ضجةُ جوقة "البوقولجيا"؛ حيث لم يغب عنها هذا الصباح منافق ولا متملق؛ إلا من أوبقه عمله في رمسه أو أقعده ضعفه ولم يعد يعرف يومه من أمسه!!
فسبحان الدائم الديان، والصلاة والسلام على خير الأنام، ما تعاقبت الأعياد وتساقط أولو الصولجان... مخلفين وراءهم الأوهام والنسيان!
من صفحة محمد محفوظ أحمد