ألا أيها البدر الفضّي المتبدد في هذا الأفق.. أسائلك وأنت المتربع في مركز افقنا منذ ملايين السنين ... أسائلك عن أقوام سبقونا في هذه الحياة ثم رحلوا غير مودعين إلى أبد الآبدين، فبقيت أنت الشاهد الوحيد على ملايين البشر الراحلين عن دنياينا..
اسائلك ايها البدر المتلألئ المبتسم ابتسامة سرمدية عن أقوام ابتأسوا واكتأبوا ما دهاهم ؟!! الم ينظروا إلى وجهك المشرق.. ألم ينظروا إلى تلك الكواكب الدرية من حواليك، الم ينظروا في ملكوت هذا الخالق ليتذوقوا فعلا أن لهذه الحياة بسمة معك لا يتأملها إلا من جلس كما أنا على هذا السطح ..
أستنطقك عن ملايين البشر أشرقت عليها من نافذة الأفق الشرقية ثم غربت بعد سويعات ماسوف عليك، وغبت عنا ليالي حالكة نعيش في انتظارك..
يا هذا البدر استنطقك الآن كم من البشر ينظر إليك وكم من أقوام مررت بهم في رحلتك شاقا هذا الطريق الذي عهدته منذ ان خلقك الله إلى أن ينتهي عمرك كما الكون كله.. كم من الركبان جن عليهم الليل فآووا تحت شجر الدوم يسامرونك وكؤوسهم تقرع شايا أحمرا وسط نغمات هادئة على "أبياظ أهل الميداح" و "بيكِ أهل آبه" .. بل أسائلك كم تطل عليه الآن من بحار الدنيا وكم من الطيور والنوارس تتأمل فيك وتلعب على نورك مع الموج الهادئ.. أسائلك كم موجة من أمواج المحيطات تطفو على سطحها الآن فتتلاطم وصورتك ثابتة على موج اليمّ الأزرق... !!
هل تذكر معي ليالينا في حقول "بورات" وكيف ابتسموا لك في حقولهم الممتدة بعد شموس حارقة، وحق لهم أن يبتسموا ويغنوا ويرقصوا تحت نورك الممتد ويرددوا "اطوير الوادْ اتْبَريتكْ"..
أجمل به من بدر وأجمل به من كون يطيش فيه البصر إلى ما لا نهاية ... جميلة ليلتكم أيها الاصدقاء .. ألا ابتسموا معي.
مختار بابتاح