الحراك النصراوي بنواكشوط هو حركة احتجاج شعبي، منتصِرة لما تعتقِدُ أنه المعيارية الشرعية بإعدام "المُستهزئ" بالرسول عليه الصلاة والسلام. وهي حركة شعبية واسعة خالية غالباً من النخبة ومن التقاطيع السياسية المُحترِفة. متوسّط عمرها مراهق وهي عموماً غير عالمة ولا تصوغ وشائجها في لغة علمية أو استدلالية أو عقلانية أو حتّى فقهية، وإنما في صياغات الحسِّ العام والوشائج والإفتاءات والافتتاءات. الحركة طبعاً غير متجانسة وتتراوح بين يمين يحظيهوي وسلفي أصولي متطرِّف ويسار صوفي أهلي. جندرياً بها عدد من النساء من ربات البيوت غير المتعلِّمات ولكن المُخلِصات جداً. طبقياً سوادها الأعظم هو الزوايا البيضان.
من الناحية القيادية الوضع متقلِّب: ففي بداية 2014 كان ثمّة حضور قوِّي للحركة السامسونغية ولليمين اليحظاوي، وهو حركة متكسِّبة إلى المانح الديني الخليجي بمزعم محاربة التشيّع ونقض الحُسينيات إلى التكسّب بالرقية والعلاج الروحي. وفي مرحلة معيّنة كان من قيادة الحراك الإخوان المسلمون وخصوصاً في التحالف الظرفي المؤقّت المُسمّى بحراك المصحف، الذي قدّم فيه الإخوان شهيداً. وسرعان ما غادر الإخوان المسلمون هذا التحالف بعد مصادرات مستشفىً وجمعية لهم من قبل النظام. ورغم أن زعيم حزب "تواصل" قد بارك حكم الإعدام على ولد امخيطير إلاّ أن الحركة الإخوانية انسحبت لاحقاً من الارتباط بالحراك النصراوي أو من دعم أي موقِف قانوني فيه.
ومع 2015 بدأ دخولٌ قويٌّ للحركة الصوفية الأهلية في منطقة "لعقل". وتزامن هذا مع دخول آخر للحركة الرضاوية، وهي حركة تستحقُّ أن يُفردَ لها بابٌ خاصٌ بها. وعموماً فهي حركة مهداوية ولاياتية مهرجانية. وقد استطاعت الوصول، بالأعطيات، إلى جزء كبير من جمهور النصرة واكتتبت الشعراء والزجّالين وصغار الفقهاء. وفي نفس الوقت الذي يُعتبرُ فيه وليّ أمرِها أباً روحياً لزعيم النظام القائم فإنه أيضاً صاحب تاريخ مشهود في مطاردة من يُقدّمون جُزافاً انهم "الزنادقة" و"المُلحدين" وله نشاطٌ في استرجاعهم ومطاردتِهم على "الفيسبوك"، حيث له برج مراقبة ومركز استتابة.
ومع 2016 بدأ يحدث تجاذب وتحاسد بين الإخوان المسلمين والزعيم "الكاريزمي؟" الجديد للحركة النصراوية. وهو شبيه بتباغض أتباع الشيخ الددو وأتباع الشيخ عبد الله بن بيّة. وقبل ذلك بينهم وبين الشيخ حمداً ولد التاه. وكان إبليس قد قال في مقابلة مع عيسى بن مريم عليهما السلام أنه يبيع الحسد للعلماء. إلاّ أن ما نراه هنا هو تحاسد أتباع هؤلاء.
عموماً يُحمَدُ الحِراك النصراوي عادةً بأنه "طبيعي" وخالٍ من نفاق النخبة ومداهنتِهم وإعطائهم الدنيّة في الدِّين. إلاّ أن الواقِع أن الحِراك لا يخلو من سياسة ومن مكر. فلِكَيْ يجمع ويُلملِمَ نفسه فإنه يبتكر ويُلفِّقُ الحقائق: فقد أشاع، مستعيناً بتغلغله في المؤسّسات الإعلامية، أن سفراء أميركا وفرنسا يحضرون محاكمات امخيطير (وذلك ليجعل القضية قضية غرب وإسلام). وقد أشاع أن المُلحِدين حرقوا المصاحف بتوجنين. وأشاع أن اسم الرسول الاعظم ظهر في سماء نواكشوط. وكان فيما مضى قد قال إن طيوراً كتبت التوحيد في سماء نواكشوط. هذا عدا المرائي والمخارق وكلّها لتثبيت الإشارات السماوية أن الحراك المهداوي مُباركٌ إلهياً.
تاريخياً كان الحِراك النصراوي بيد الحكومة. وقد طمأنه الجنرال عزيز بأن البلاد تُحكم بالشريعة. ولكن الحراك سرعان ما خرج من يد الحكومة. ويبدو أن خطوتها الأخيرة هي محاولة السيطرة عليه بجزرة ولي الله المستور وبعصا القمع.
وكلّ ما هو آتٍ آت.
من صفحة أبو العباس ولد ابراهام على الفيس بوك