من أول يوم من سنة 1786 والليالي متقطعات الأعناق تشوفا وتشوقا لمولد طفل سيترك أثرا نيرا في التاريخ وفي أ حد أيام هذه السنة ولد الطفل _الذي سمي الشيخ محمدو ولقب بالغوث_ لأبوين كريمين اعتنيا بتربيته وتنشئته تساعدهما في ذالك يد القدر التي تهيؤه لحمل مشعل العلم وطب القلوب وهداية الأرواح ، كان الطفل نجيبا فحفظ القرآن في سن مبكرة على يد أبويه الكريمين وعليهما درس بعض الكتب التي تهيؤ الطالب المحظري
لدراسة العلم والأخذ عن الرجال ومن ثم بدأت رحلته في طلب العلم لتنتهي به في محظرة العلامة الحبر حرمه بن عبدالجليل العلوي، فألقت عصاها واستقر بها النوى كما قر عينا بالإياب المسافر وفي محظرة العلوي نهل الفتى وعل من علوم الشريعة فأكمل الفنون وأنهىالمتمات فلبس دثار العلم وشعار العمل به ورحل متزيدا منه وبذالك شهد له شيخه حرمه بن عبد الجليل في مقولة محفوظة بالتواتر قعطية الدلالة والثبوت: (مسألتان لن يزيده فيهما أحد بعدي العلم والعمل به)
لم يكتفي الشيخ محمدو بهذه الشهادة التي يحق له أن يزهو بهاويفخر ، فجاء رده عليها عاكسا لتواضعهوعلو همته حيث قال : عرفت أشياء وغابت عني أشياء ، وفي البحث عن هذه الأشياء التي لاتزال غائبة عنه شدالرحال وعلى همة تعالي الثريا فرحل إلى أحد هداة الأرواح وأطباء القلوب الشيخ القاضي الذي أقام عنده ردحا من الزمن فأخذ عنه الطريقة القادرية التي صدره فيها وخصه بأسرارها
فأصبح حين صدره وليا == بميدان الوصول هو المجلي
وأصبح كاملا شيخا مولي==زمام الأمر من عقد وحل
فرجع إلى أهله حاملا معه صفة العالم وتقواه ولقب الشيخ ونور هداه ، فتوافد عليه طلاب العلم ومريدو الطريقة فتصدر على يديه رجال سيكون لهم الأثر البارز فيما بعد في تاريخ العلم والتصوف في هذه الربوع، ومن أشهر الذين أخذواعنه:
_ابنيه: محمدمحفوظ وأحمدو
_الشيخ الحسن
_الشيخ محمدو ولد أحمذيه
_الشيخ محمدو ولد احويبيب
_الشيخ أحمد بن مياه
_أبناء المختار بن محمدن مكي السبعة
وقد ترك الشيخ محمدو (الغوث) تراثا علميا ضاع أغلبه بفعل الطبيعة والظروف ومن أشهر مؤلفاته :
أنجح الوسائل في حل ألفاظ شرح الشمائل
_يوجد مخطوطا في مكتبة أحفاده في قرية لمبيديع
_في منطقة لعكلل ورسائل علمية تبادلها مع بعض علماء عصره ومصره كالشيخ محمدو ولد حبيب الرحمن والعلامة ديد ولد إحظانه وبالرغم من زهذ الشيخ محمدو في الظهور وتفانيه في خدمة الناس وتواريه عن الأضواء إلا أن قصائد المديح ظلت تلاحقه وظل الشعراء والعلماء يظهرونمكانته ويعلون كعبه العالي وسنكتفي بإشارات عابرة إلى بعض هذه الروائع التي مدح بها وقد مدحه الشيخ محمدو ول أحمذي بقصائد ستنكتفي بمقطع من إحداها حتى لانطيل
لهم إمام عظيم الجاه متبـع == شمس النهار وبدر الغيهب الداجي
عليه تاج سنى حاز الثناء بــــه == لا بالرداء من الديباج والتــاج
إن جئته سائلا تلمم ببحر جدى== يرمي مدى الدهر أمواجا بأمواج
أو زرته جاهلا يكسبك معرفــة == أو خائفا رحت أنت الآمن الناجي
وهذا الأديب الكبير عبدالله ولد الهادي يخاطبه قائلا:
وَخَّـيــرْتْ بِيـكْ أبـْلاَ مَـعْــنَ ==ؤُلاَهِـي اَفْـحَـقـَّكْ مَـنــزَادَه
وَكْـبَـرتْ عَـنْهَا بـَلْـمَــعْــــنَ==وَخْـطَـمْـتـهَا بالسِّـيـَّـــــادّه
وَخَّـيـرتْ بالشَّـيـخْ الْعَـامَلْ==لـَدِيـبْ لَكْريِـمْ الْكـَامَـــــــلْ
حَـمَّـالْ ظَـربْ اَهْـلُ كـَامَلْ== دَيـَّارْ لَلـــدِّيـــنْ أَكـْــــــلاَدَه
وَخْـرَاصْ وَمْـرَصْ وَحْـمـَايـَلْ == وَكْــلاَبْ وَفـْشَـشْ وَكـَـــادَه
وهذا العلامة ديده ولد إحظانه يخاطبه مادحا وواصفا في قصيدة رائعة :
ياعماد الدين ملجأ كل عـاف == يسامي المجد أبياتا طوالا
ومن يهب الملابس والمطايا == وخيلا في مرابطها تفالا
كريم لا تغيره الليــــــــالي==إذا ما الأزم غيرت الرجــالا....
وقد ظل الشيخ محمدو ولد أغربظ "غوثا" كأسمه يعلم الجاهل وينجد الملهوف ويطعم الجائع ويعطف على الأرامل والأيتام والضعاف إلى أن انتقل إلى جوار ربه سنة 1867 ودفن في مقبرة "اندبيجر" وقد ظل قبره مزارا يؤمه الناس وقد خلده الشعراء في قصائدهم ميتا كما تغنوا وأشادوا بمآثره حيا فهذا الأديب محمدفاضل ولد أحمذي يظهر أسرارا من مكنونات الرجل ويسترجع ذكريات من صلاحه خلدها الزمن في ذاكرة الأيام وتواتر العدول في نقلها عن العدول يقول الأديب محمدفاضل وقد وفق على الضريح في اندبيجر ألم
بحضرة الغوث المجـلي== وقطب زمانه الشيخ الأجـــــل
إمام العارفين ومن تجـــلى== له من ربه نور التجــــــــــــلي
لك اندبيجر البأوى بشيـــخ==رفيع المستوى سامي المحل
تحلى حلية التقوى فأضحى== من أرباب التخلي والتحــلي
فكم نفس أتته فاطمأنــت==وما جنحت إلى رأي مــضــــل
ومن أسراره نهلت وعلت ==وكم تاقت إلى نهل وعــــــــل
فطهرها من اعجاب وكبر==ومن حسد ومن حقد وغــــــل
وهذب كل ذي نفس لجوج==وعلم كل ذي جهل عتــــــل
ونال به المريد غنى وعزا==ليــأمن بعد مـــن فقـــــر وذل
ورباه تقيا فارتقى فــي==ذرى العليا لأرفع ما محـــــــــــل
فأصبح حين صدره وليا==بميدان الوصول هو المجـــــــلي
وأصبح كاملا شيخا مولى==زمام الأمر من عقد وحـــــل
أيا غوث الأرامل واليتامى== وحامل مالهم من كل كـــل
وملجأ كل ذي خوف طريد==ومأمنه ويا وفر المقــــــــــل
زيارتكم أهيم بها حديثا==كما قد كنت في الزمـــــن الأول
تمنيني بها ليتي وطورا ==ترجيني توقعها لعـــــــــــــلي
وقفت ببابكم غوث البرايا==لأقرع باب مالكنا الأجــــــــــل
ليصلح ماهممت به ويقضي==حوائج كل ذي قربى وخل
ويغفر ما اقترفت من الخطايا==فيصبح كالهباء المضمحل
بجاه المصطفى المختار طه==عليه وآله أبدا أصــلــــــي