استِنكار قانُونٍ مُخالفٍ للشَّرع والسُّكوت على دُستُورٍ قابلٍ لتَمريرِه هجومٌ في معركةٌ جانبية لا يَقطَع على الخَصم طُرَقَ إمدادِه ولا يَضُرُّ قَواعِدَه الخَلفية, كما أنَّ السُّكوت على المَنهج الفاسِد لغير ضرورة واستِنكار نتائجِ تَطبيقِه هو ضَربٌ في حَديدٍ بارِدٍ وإتيانٌ للأُمُور من غير قوابِلِها.
وإنَّ ممَّا يَجِبُ علمُه أنَّ النِّظام التَّشريعيَّ الدُّستُوريّ القائم يُمكِنُ مِن خلالِه تَمريرُ كُلِّ قانُون باطل, وذلك لما فيه مِن الخلَل والزَّلل الَّذي أشرتُ إلى بَعضِه قَبلُ في كتاب “المشاركة السِّيَّاسية, مِن ذلك:
مِن أين يأتي القانُون؟ يُجيبُنا الدُّستُور القائم:
المادَّة (45): “يُمارسُ البرلَمان السُّلطة التَّشريعية..”
ولا يُمكن الادِّعاء هنا أنَّ تَدَخُّل البرلمان يتَعلَّق بالأُمور الإدارية، والإجراءات التَّنظيمية، لأنَّ مُهِمَّته الأساسية سَنُّ القوانين، وهذه القوانين الَّتي يُصدِرُ البرلمان المُمَثِّل للشَّعب مُلزمةٌ، ويجبُ أن يَخضع لها الجَميع, لأنَّها هي التَّعبيرُ الأعلى عن إرادَة الشَّعب كما في المادَّة (4) من الدُّستُور المُوريتاني.
وفي (المادَّة 56) إنَّ “إقرارَ القانون من اختِصاص البرلمان”
وفي المادَّة (13): “لا يُتابع أحدٌ، أو يُوقف، أو يُعتقَل، أو يُعاقب، إلا في الحالات وطبق الإجراءات التي يَنُصُّ عليها القانون”
وفي المادَّة (90):”لا يخضع القاضي إلا للقانون…”
وهذا القانون الَّذي يَخضع له القاضي ويَحكمُ به، لم يأتِ أصلا من جهةٍ تتوفَّرُ فيها الأهلية، وادِّعاؤهم أنَّ القوانين مُستَمدَّة من الشَّـريعة الإسلامية يُكذِّبُه كونُ البرلَمان الَّذي يَسنُّ القوانين ويُقِرُّ عليها لا يُشتَرطُ في أعضائه العلم بالشـريعة الإسلامية، وفاقدُ الشَّيء لا يُعطيه.
وفي هذا المجال فإنَّ المجلِس الدُّستوريَّ الَّذي هو مؤسَّسة قَضائية عُليا من مُهِمَّاتِها النَّظَرُ في دُستورية القوانين لا يُشتَرطُ في أعضائه العِلمُ بالشَّـريعة الإسلامية فضلا عن بُلوغ مرتَبة الاجتِهاد، ومَعَ هذا فإنَّ لِقراراتِه سُلطةً خاصَّةً، فقد جاءَ في المادة (87): “..لا يُقبَل أيُّ طعن في قرارات المجلس الدُّستوري، وهي مُلزمة للسُّلطات.. “.
فهي إذا مُؤسَّسة لا يُعَقَّب حُكمُها، الأمر الَّذي لا يَكون إلا لِحُكم الشَّـريعة، (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)
انزل الله على البلاد سحائبَ رحمته, ومتَّعها في ظلال شِرعتِه.