كتب حديثا الروائي الموريتاني و الوزير السابق محمد ولد أمين مقالا عنونه “ بالفتنةالصحراوية و المغرب المستحيل " ، فحوى المقال المبعثر جدا نظرا لركض الرجل بين الوثائق التاريخية الدامغة لاهثا خلف " هذي نعرفها و هذي ما نعرفها " أصابني بالذهول إذ استغربت كيف يمكن لرجل متعلم كولد أمين تناقض نفسه و قبوله التناوب بين رياضه القفز الطويل و القفز العالي داخل ساحة المواثيق و المقررات الدولية و الأممية فيما تعلق بالقضية الصحراوية و هو في هذا العمر و له من الثقافة حظا وافرا بالاضافه لكونه موريتاني يعني صحراوي أيضا " لعاد الخير خالق" أصبح ولد أمين يكتب مقالاته السياسية المتعلقة بالقضية الصحراوية بذات "الفنتازيا" التي كتب بها روايته " منينه بلانشيه " فاعتاد –اعتزازا- بروايته الجميلة السطو على التاريخ و الذكريات و شابت الصور و الدلائل لديه غيوم التغاضي و التنكر بسبب وساوس النفس التي لا تنسى جراح الماضي المفتعلة . بدأ مقاله بأن حركات التحرير في المغرب العربي و الشرق الأوسط اتحدت وتضامنت و ذكر المستعمرات الفرنسية في المغرب العربي ، لكنه لم يكن أبدا بالشجاعة بما كان كي يقول أن حركة التحرير الوحيدة في المنطقة المغاربية كانت هي جبهة التحرير الجزائرية و أن الاستقلال في موريتانيا و المغرب كان هبه من فرنسا وانه شخصيا من المتنكرين للمقاومة الشعبية التي كانت تخوضها القبائل الصحراوية و الموريتانية ضد الاحتلال الفرنسي و لا يزال للآن الحديث عن تلك المقاومة في موريتانيا محتشما لأسباب يعرف ولد أمين أنها تتعلق "بكوميات "و سلالتهم ، ولد أمين الذي أسبل على شعوب المغرب العربي كلها دثار حركة التحرير الجزائرية العظمى وقسم من شرفها و قيمتها على البقية تغاضى تماما عن ذكر أن الحركة التحررية الوحيدة التي تأسست لتأثير المد التحرري في العالم الثالث كانت هي حركة البوليساريو وذلك لتحرير الصحراء الغربية من الاحتلال الاسباني .ألم تكن الصحراء الغربية مستعمرة اسبانية عندما كان المغرب و الجزائر وتونس وموريتانيا مستعمرات فرنسية؟ أم أن صحائف التاريخ القريب وصلت ولد أمين مقلوبة ؟ تحدث الوزير الروائي عن لغة المصالح و أضرار الخلاف السياسي على شعوب المنطقة وعلى نموها ، ثم يؤكد أن الجوهري من الخلاف سببه القضية الصحراوية و أن خلاف المغرب و الجزائر أتى قبل هذه القضية اللغز ، و يؤكد أن الزعيم الراحل هواري بومدين أكد أكثر من مرة انه لا مطامع للجزائر في الصحراء الغربية ، لكن حسب قول ولد أمين طبعا " حين تمكنت الدولتان في فتح ثغرة في جدار الخصم الإسباني العنيد والتوصّل إلى مفاوضات نهائية لتحرير الأرض وسكانها من الاستعمار، غيّرت الجزائر بوصلتها. " قول كاتبنا هنا مضحك للغاية فأي عاقل موريتاني يمكنه القول أن النظام الموريتاني خاصم اسبانيا لاحتلالها الصحراء الغربية أو أن الدولة الشقيقة سعت في تحرير ارض الأشقاء المحتلة بالقول على الأقل قبل الفعل ؟ولد أمين نسي تماما أن المختار و لد داده رحمه الله كتب قبل وفاته مذكراته و هو في كامل وعيه و في تمام صحته ، ولد أمين أتى بقصاصه صغيره مما جاء في لقاءات الراحل الثائر هواري بومدين شجاع جبهة التحرير الجزائرية التي أدمت الاحتلال الفرنسي و الملك الراحل التوسعي الحسن الثاني و المختار ولد داده رحمه الله ، تلك اللقاءات الثلاثية كلها نصت على ضرورة احترام حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره و دعمه لنيل استقلاله من اسبانيا لكن _و هذا ما لن يذكره ولد أمين " و في لقاء الرباط من عام 1972 عندما استدعى الحسن الثاني المختار لمساعدته في التحضير للقمه العربية " و بالمناسبة هي نفسها القمة التي تجسس فيها الحسن الثاني على لقاءات الرؤساء العرب لصالح إسرائيل " خلال ذلك اللقاء اخبر الملك رئيس موريتانيا انه ينوي تقاسم الصحراء الغربية معه و انه عليه كتمان الأمر عن الراحل هواري بومدين و الأمر طبعا نفذ أثناء اتفاقية مدريد الثلاثية . كما أن الراحل المختار ولد داداه برر كل اتفاقياته مع الملك المغربي لدوافعه حماية موريتانيا من التوسع المغربي، كان على ولد أمين ان لا يتجاهل هذه الحقائق لان مصداقيته الشخصية على المحك إن كانت تهمه كما كان عليه أن ألا يخدع نفسه و بعض القراء العرب –تحديدا- الذي يجهلون بسبب التضليل المغربي و تواطؤ الأنظمة العربية خاصة مع نظام المملكة التوسعية خبابا القضية الصحراوية ، كان عليه إن يحترم للموثقين و المؤرخين الأحياء منهم خاصة الحقيقة الجلية ، و يتذكر و يذكر قراءه أن المغرب لم يعترف باستقلال موريتانيا و انه رفض دخولها الجامعة العربية و قاطع تونس لاعترافها بالدولة الوليدة . من العار أن يعتبر ولد أمين وهو وزير سابق القضية الصحراوية " فتنه " و قد تأسست البوليساريو بالزويرات المدينة الموريتانية ، فهل كان بلده و أحرار شعبه من دعاه الفتن ؟ من العيب بالنسبة لوزير تقلد منصب سياسي فقهه في السياسة إن لم يسبق له ذلك أن يقول عن قرار استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية نوعا من "الممارسات " الأممية بينما تصوت حكومته سنويا في الجمعية العامة لصالح تقرير مصير الشعوب المستعمرة و من بينها الشعب الصحراوي ، كما تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية و تتجاور معها كراسي الاتحاد الإفريقي ، من المخجل جدا و النافي للضمير اليقظ الحي أن يقول ولد أمين أن المغرب يختبئ خلف جدار الألغام دون أن يستنكر الجدران الممزقة للشعوب و الجغرافيا و دون إن يحارب باسم حقوق الإنسان -على الأقل- زرع الألغام و فتكها المستمر بحياة البشر و الدواب على حد سواء . يكفي النظام المغربي غزلا و حبا السكوت عن قضيه الشعب الصحراوي و عدم المطالبة بحقه في تقرير المصير و قد كان حري بولد أمين غزل صمته و تغاضيه عن ما يقوم به النظام المغربي من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية المحتلة. يقول ولد أمين أن هذه القضية أعيت أطباء كثر و الأكيد يقصد انه احدهم ، أولائك أطباء لم يطلب منهم أصلا تطبيب الشعب الصحراوي لأنهم أطباء احنثوا قسم الشرف المهني و خانوا الضمير الجمعي للشعوب التواقة للحرية و الانعتاق ، أولائك أطباء المنافع بدل أن ينظفوا الجرح من عمقه يضمدونه على عجل ، و بدل أن يسهروا على راحة المريض ومنحه فرص الحياة الكريمة يشخرون رغم صوت أنينه و بدل أن يوظفوا علمهم لشفائه يروجون و يخترعون أسباب مايسمونه الموت الرحيم .في كل مرة يتحدث ولد أمين عن القضية الصحراوية يحاول جاهدا ربطها بالخلافات القبلية للحد الذي اعتبر فيه البوليساريو وهي حركه تحرير نظيفة و معترف بها في كل العالم مؤسسة لنعرات قبيلة و اليوم أضاف للأسباب المزعومة أخرى عقائديه ، و هو نبأ جديد لم يكن في حسبان كل متتبعي الشأن الصحراوي فالمعروف أن الجسم الصحراوي جسم متناغم أصوليا و عقائديا ، و القبلية أو القبيلة التي يثريها ولد أمين كل مرة لا وجود لدوافعها أي كانت بالنسبة لثورة 20 ماي الخالدة لأنه بالنسبة للشعب الصحراوي و مبادئ ثورته هي _ أي القبلية -مجرد طبل "مقعور" يقرعه الاحتلال المغربي لتعميق ألتفرقه وتشتيت وحدة الصحراويين ، و يؤسفني أن يشعرنا كاتب مثقف كولد أمين و نحن في الألفية الثالثة أن نعرات القبيلة و أحقاد الماضي تتوارث جينيا فالواضح أن كاتبنا المبجل يتحدث بصوت نافر ضارب في عمق التاريخ منذ كانت ارض "البيظان" تسكنها قبائل يغير بعضها على بعض ، لا تزال تلك الندوب رغم الأجيال المتلاحقة و مراحل الاستعمار و بعدها حقب الاستقلال و الثورات المندلعة من هنا و هناك تظهر من خلال اسطر صديقنا الوزير . ورد في نص المقال مغالطات كثيرة إن لم اقل أن كله مغالطه لكني سأكتفي بتوضيح بمغالطاته السابقة الخاصة بالطرف الصحراوي في القضية التي هي أصلا قضيته وحده ، أما ما ورد فيه عن موقف الشقيقة الجزائر من قراءات خاطئة تماما فتلك ردود أولى بها ساسة الجزائر و مثقفيها و ما أكثرهم و أنبلهم و أقومهم للحق و ما أشد إصرارهم و أشرسهم إن هم مست كرامتهم آو طعنوا في مصداقيتهم .
بقلم النانة لبات الرشيد